لم يكن في الحسبان أنّ تثير مداخلة الدكتور العفّاس كلّ ذلك اللغط، فعباراته كانت عادية لم يتخللها الغريب ولا المثير ، تحدّث الرجل عن قناعات أصيلة من صلب ديننا الحنيف حين أكّد أنّ "المرأة عندنا كريمة عزيزة، يقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم ما أكرمهنّ إلّا كريم وما أهانهنّ إلّا لئيم" وتلك من الأوصاف الحميدة التي تتفق عليها تونس بلا خلاف، ثمّ عرج العفّاس على الرؤية الحداثاويّة للمرأة، ونقلها بأمانة كما يرتضونها ويسوّقون لها ويصنعون صورتها في السينما والدراما والإعلام وكذا في نواديهم العامّة والخاصّة، قال العفّاس " مكاسب المرأة عندهم هي الأمّهات العازبات، الإنجاب خارج إطار الزّواج، الإجهاض، ممارسة الرذيلة، الشذوذ الجنسي"،
كنت أعتقد أنّ الكتيبة الحداثاويّة ستوافق على ذلك الوصف وربّما اكتفت بمهاجمة العفّاس عبر التأكيد على تلك الأوصاف والدفاع عنها والاعتزاز بها، لكن كانت المفاجئة أنّهم شنّعوا بالعفّاس على خلفيّة تلك الأوصاف التي تبنّوها وانخرطوا فيها وعملوا على تثبيتها طوال عقود بقوّة المال الفرنسي والأوروبين، وذا كان كل الشرف للعفّاس بل ولتونس برجالها ونسائها أن يكرّروا ويؤكدوا على قناعاتهم المنبثقة من القيم والثوابت والهوية، فان العار كل العار للذين يخجلون من قناعاتهم ويهاجمون من يصفها بدقة وبلا زيادة او نقصان.
وفي السياق ليس أشدّ سخرية وعبثيّة وإسفافا من بيان النّساء الديمقراطيّات الذي جاء فيه " تابعت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات باستهجان شديد تصريحات النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس في الجلسة العامة بتاريخ 03 ديسمبر 2020 بمجلس نواب الشعب والمخصصة لمناقشة ميزانية وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن والتي اتهم فيها النساء في تونس بأبشع التهم ونعتهن بأقبح النعوت"!!!
وصف العفّاس المرأة التونسيّة المسلمة بأجمل النعوت حين قال" المرأة عندنا كريمة عزيزة، يقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم ما أكرمهنّ إلّا كريم وما أهانهنّ إلّا لئيم" وهذا ينسحب على الغالبيّة الساحقة من نساء تونس، ثمّ تحدّث عن رؤية العاهات الحداثاويّة لفئة معزولة قليلة من النّساء، غير أنّ بؤرة النّساء الديمقراطيّات قلبت الأمر ودلّست بل قامت بإحالات إجراميّة، خاصّة تلك العبارات الماكرة التي وردت في البيان " ..والتي اتهم فيها النّساء في تونس بأبشع التهم ونعتهنّ بأقبح النعوت "هكذا يكون البيان المنخور قد صنع تهمة مجانيّة كيديّة للعفّاس وبشكل ماكر ومن خلال الادعاء ان العفاس اهان كل التونسيات سوّق البيان المشين الى أنّ المرأة التونسيّة هي الأمّهات العازبات اللواتي يمارسن الرذيلة والشذوذ!
تلك معركة مع هذه القوى المنبّتة كان وما زال حبلها على الجرار، واليوم تبدو تونس أقرب إلى النّصر من الأمس، بالأمس كانت هذه البؤر الحداثاويّة تخوض معاركها من وراء أسوار بن علي وبوليسه، وعلى متن مؤسساته واليوم فقدوا غطاء الدكتاتور وخرجوا يواجهون الشعب وثوابته وهويّته بلا فرق أمنيّة وبلا بوليس سياسي وبلا زوّار الفجر وبلا المنشور 108 وبلا القتل خارج القانون وداخل القانون وبلا سجون إنفراديّة وبلا تعذيب وبلا تهجير وبلا دفن أبناء الشعب وخيرة شبابه في خرسان الجسور.
شكرا للدكتور العفّاس لمّا وصف المرأة التونسيّة بالكرامة والعزّة، شكرا له ثانية حين تمسّك بثوابته ولم يرتجف لسانه أمام رغائهم الذي تحصّن الشعب ضدّه، ثمّ شكرا له ثالثة لمّا أخرجهم من جحورهم يتلوّون كالأفاعي من فرط ما أوجعهم حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم" ما أكرمهنّ إلّا كريم وما أهانهنّ إلّا لئيم"، ثمّ إنّه وفي مثل هذه المقامات لا يجدر التركيز كثيرا مع درجة الحديث وضعفه، لأنّه ليس أضعف وأوهن من هذه الكائنات الحداثاويّة اللاحمة.