هاجمت عبير موسي الكتلة الديمقراطيّة ووصفتها بالنفاق على خلفيّة رفع قياداتها وبعض نوّابها لشعار" سحقا سحقا للرجعيّة دساترة وخوانجيّة" ثمّ غيابهم عن اجتماع رؤساء الكتل لعرض لائحة الحزب الدستوري الحرّ حول العنف ضدّ النّساء، قبل ذلك كانت عبير وجّهت الاتحاد إلى مهامه الحقيقيّة عبر تدوينة جاء في أحد فقراتها" الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة وطنية عريقة لابد أن تحافظ على استقلاليتها تجاه الأطراف السياسية وتوظف قوتها ومخزونها الفكري والشعبي لفرض المرور إلى معالجة جدية وملموسة لمشاكل الطبقة الشغيلة في القطاعين العام والخاص" هكذا تكون عبير قد حدّدت المهام الحقيقيّة للاتحاد بشكل مبكّر تنبيها له وتمهيدا للأرضيّة حين تقود التجمّع إلى الحكم مرّة أخرى في انتخابات مبكّرة أو خلال الاستحقاق القادم"2024" وهي تعتقد فعلا أنّها على مشارف العودة بالتجمّع إلى السلطة وفق بيانات الزرقوني وسيغماه، لذلك هي لا تقبل بعبث الكتلة الديمقراطيّة وأحزاب الصفر فاصل العائدة من سباتها وتقترح تعطيل الديمقراطيّة إلى حين، تماما كما قال السيسي وكما قال خالد نزار ذات 1992 "الى حين"،
ترفض عبير خطّة الحكم من خارج الصناديق كما ترفض العسكرة التي اقترحها محمّد عبّو ليس لأنّ عبير ديمقراطيّة! أبدا!! بل لأنّها طاعون سياسي يأكل على موائد الدكتاتوريّة ويتسرّب عبر فجوات الحريّة ليلتهم الديمقراطيّة، لأنها تثق في الزرقوني كما تثق في غباء الذين حلسهم السبسي حين كان في طريقه الى السلطة وتحلّسهم اليوم عبير وهي في طريقها الى السلطة او هكذا تعتقد.
وإن كانت عبير اعتمدت سياسة التهجّم والتشويه تجاه النّهضة وائتلاف الكرامة فإنّها وبعكس ذلك طالما سعت إلى التقرّب من بقيّة الكتل وتجنّب أيّ صدام مع رموزها ونوّابها، لكن ما استفزّ رئيسة الدستوري الحرّ أنّ كبراء الكتلة الديمقراطيّة تخلّوا عن خطابهم وسلوكهم المعهود واستنسخوا سلوك عبير في محاولة لإنتاج قاعدة شعبية على غرار تلك التي أنتجتها عبير، وجاءت عمليّة الاستنساخ حرفيّة إلى أبعد حدّ، فعبير هي من ابتكرت الاعتصام في البرلمان، ثمّ قامت الكتلة بقيادة سامية عبّو بتقليدها ولم تكتفِ الكتلة الديمقراطية بذلك بل استنسخت جميع سلوكات الكتلة العبيريّة بتفاصيلها بما فيها العربدة وافتعال الاشتباك الجسدي واللفظي وتركيز الاستهداف على رئيس البرلمان ورئيس الائتلاف بشكل خاصّ واستدعاء عبارات من نفس القاموس "دواعش..إرهابيّين..أعداء تونس.. كتلة الشرّ.. الكتلة الإرهابيّة.."،
حتى الجراح نفسها وفي مكان واحد!!! فقط اكتفت عبير بتقديم جريحها الى الاعلام واختارت سامية أن تقدم جريحها الى رئيس الجمهورية، ثمّ جاءت النقطة التي أفاضت الكأس، حين سارعت الكتلة الديمقراطيّة للاستثمار في تصريحات الدكتور محمّد العفّاس تحت قبّة البرلمان، وتمّ الاستنجاد بلكنة عبيرية أقرب إلى العربدة والسوقيّة المسقطة وتعمّدوا إنتاج مشكلة من فراغ وحاولوا الاستحواذ على جميع حقوقها، فانتكسوا وارتدت عليهم المؤامرة التي عاد حصادها الوفير على الائتلاف بعد أن شهد حالة من التعاطف الغير مسبوق نتيجة المعركة المركّبة التي بان هزالها اكثر عند الاستنجاد المسرحي برئيس الجمهوريّة..
هناك اكتشفت عبير أنّ الكتلة ترغب في الأكل على موائد القواعد النافرة من الثورة كما الشرائح الاجتماعيّة النافرة من الهويّة، لقد تيقّنت عبير أنّ الكتلة الديمقراطيّة أصبحت تشكّل نوعا من الخطر على منابعها ومواردها حين تخلّت عن الثورة كما تخلّت عن حيادها في معارك الهويّة، وانخرطت بقوّة وبلهفة في محاولة للاقتطاع من الشرائح التي أثّثت عليها عبير رصيدها الشعبي.
لقد أقلعت الكتلة الديمقراطيّة بشكل متأخّر تجاه الشرائح الأخرى المحسوبة على أو القريبة من الثورة المضادة، وهي تقود اليوم عمليّة فاشلة للاقتطاع من تلك الأرصدة التي تشكّل عليها نداء تونس ومشروع تونس وقلب تونس ثمّ لاحقا الدستوري الحرّ، بداية متأخرة وعشوائيّة يغلب عليها الارتجال والارتباك، بداية أبعد ما تكون عن هندسة السبسي ودهاء القروي ووقاحة عبير وقدرتها على مغازلة خصوم الثورة وتجميعهم حولها، يمكننا القول أنّ الكتلة الديمقراطيّة ورموزها أقرب في سلوكهم وأحلامهم إلى محسن مرزوق ومشروعه، وكما اعتقدوا أنّ العسكر والانقلابات وحلّ البرلمان والفراغ هو الحلّ اعتقد سابقا مرزوق أنّ حفتر هو الحلّ وكان يقول بذلك يقينا، حتى جاءته البيرقدار بالخبر اليقين! جاءته بنبأ عظيم! ليس من سبأ كما الهدهد، وإنّما قاعدة الوطيّة.
كان مكوّن الكتلة الديمقراطيّة يعتقد أنّ عمليّة تلقيط واحتطاب القواعد من ركام الجبهة الشعبيّة ومن الشباب الغاضب على النّهضة نتيجة توافقها مع السبسي ومن إرث المؤتمر من أجل الجمهوريّة.. كانت الكتلة وخاصّة التيّار يعتقد أنّ القواعد المحتطبة بأشكال عشوائيّة قادرة على الصمود أكثر من دورة انتخابيّة! أبدا لم يحدث ذلك ولن يحدث بل هو ضدّ طبيعة التنظّم وينافي أبجديّات العقل السياسي.. إنّ القواعد "المتسلّفة مردودة".