تابعتُ خطبة السيّد رئيس الجمهورية عند انعقاد مجلس الأمن القوميّ.. وخرجت من متابعتي بالانطباعات التالية:
1. كانت في بدايتها خطبة عصماء للردّ على عبد الكريم الهاروني وعلى تعليقات الفيس بوك من قِبل الذين في قلوبهم مرض... قد أكّد الرئيس على أنّه لا يعني مرضى الكوفيد لأنّ الكوفيد لا يصيب القلوب... بل يعني ناقديه... فكلّ ناقد للرئيس مريضٌ قلبُه.
2. تردّدت فكرة طالما تعهّد الرئيس الأسماع بذكرها، خُلاصتها :
• أنا الدولة
• الدولة وحدها تحتكر القوّة الشرعيّة
• أنا قائد جميع القوّات الحاملة للسلاح
• أنا وحدي أحتكر "الضغط المسلّح"
3. بدا لي أن الرئيس لو كان محاميًا ما ربح قضيّةً فهو مرهِقٌ سماعُهُ لا يُقنع أحدا بما يقول ولا بكيفِ قوله... وتلك مشكلتُهُ.
4. يُفتي ويتحدّث عمّن فتحوا دور الإفتاء... فهل يسخر الرئيس من نفسه وقد احتكر مقام الإفتاء وقرّر غلق بقيّة الديار لأنّها لا تمتلك المشروعيّة مثل داره هو؟
5. ذكر الرئيس حدثا قديما يعود إلى زمن ما "قبل الحلول الفرنساويّ"... وقد فهمتُ أنّه اجتنب عبارتي الحماية (رغم أن بعض دروس التاريخ عنوانها انتصاب الحماية بتونس) واجتنب، في الوقت نفسه، أن يقول : الاحتلال الفرنسيّ... اختار المنزلة بين المنزلتين.
6. يصرّ الرئيس، في كثير من خطبه، على قول : "أعلم جيّدا وأعي جيّدا ما أقول"... فهل شكّ أحد في علم الرئيس ووعيه؟ ولقد بدت لي هذه اللازمة شبيهة بالقسَم لمن أراد توكيد قول لا يراه قابلا للتصديق.
7. الزمن يثقله الكوفيد... والرئيس يمارس بخطابه التنكيد... أما كان أحرى به أن يبتسم في وجوهنا وأن يطمئننا على مصائرنا بفضل حكمه الرشيد؟
8. الرئيس لا يستطيع إخفاء غضبه من خلال من خطابه الانفجاريّ... فهو، على الأرجح، غضوب حقود... لا يحسن كتم غضبه ولا يستطيع إخفاء حقده.
9.حين يتوهّم المرءُ الفهمَ تجدُه يحاجج دون أن يملك من أدوات الحِجاج شيئا كمحارب يطلب الفوز بدون سلاح.
10. الخطبة في تصفية الحساب... فهل هو وقت لتصفية الحسابات؟ ألا يراعي الرئيس ما نحن فيه من الرعب بسبب انتشار الوباء وكثرة المصابين والموتى؟
11. عاد بنا الرئيس إلى زمن البايات قبل قيام النظام الجمهوريّ عندما اعتمد حجّة " الأمر العليّ الصادر عن الباي" ليفحم رئيس الحكومة بشأن إقالته لوزير الداخليّة وقيامه بمهامّه... احتجّ بالتكليف الذي جاء من الباي صاحب الأمر العَلِيّ الذي ستتمّ الإطاحة به بعد أشهر !!! فهل يريد هو إصدار أمره العليّ؟
12. في كلّ خطبة يخصّص الرئيس حصّة لجلد الدستور... كأنّ له معه ثأرا دفينا... فمرّة "أكله الحمار"... ومرّة "قُدّ على المقاس"... ومرّة مثل "لباس"... ومرّة "مثل حذاء"…
إنّك لو جُبْتَ الزمان والمكان لن تجد حاكما يقول في دستور الدولة الذي دخل من بابه ليحكمها ما يقوله رئيس دولتنا في دستور جمهوريتنا… في الأمر استهانة لا تليق بجهود المؤسّسين الذين لا يظنّ عاقل أنّ الرئيس يفضُلُهم بشيء.. ولقد كانوا استشاروه،وهم يكتبونه، فلم يبخل عليهم بالإشارة.
13. الخلاصة أنّ الرئيس قد جعل من الاجتماع حصّة لتوبيخ رئيس الحكومة في كنف الدستور الذي عبث به عبثا فاجعا… مهدّدا بأنّ التحوير الذي لم يُرجَع إليه فيه لن يمرّ… وهو يدرك أنّه بما يفعل يخرق الدستور وينتهك القانون ويعطلّ مؤسسات الدولة التي قال إنّه لا يريد تعطيلها.