غازي القروي: من مفتش عنه إلى نائب شعب. المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
نبيل القروي: نحن نعتقد أنه بريء، وننزهه عن تهم الفساد.
الطيب راشد: الممتلكات هذيكة جبتها بالبيع والشراء. لا يمكن تجميده من رئاسة محكمة التعقيب إلى أن تثبت إدانته.
البشير العكرمي: اتهامه بالتستر على الإرهاب هو تجني. ويربح قضية إدارية ضد قرار عزله من منصب وكيل جمهورية.
كمال لطيف: مطلوب إلى التحقيق من طرف وكيل الجمهورية ويدهس شرطي بسيارته. النقابات الأمنية تنزل رؤوسها والأحزاب والإعلام بصوت واحد "سي كمال نظيف".
أنور معروف: ابنته ترتكب حادث بسيارة الوزارة والمحضر يختفي من المحكمة ويظهر بين صبح وضحاه. هذا تجني على الكفاءات وقيادات النهضة لا غبار عليهم.
نقابات "فسفس" والتونيسار: حادث إصطدام مع باخرة نتيجة الإهمال وسرقة بضائع مسافرين في المطار. إلي عنده دوسي على واحد من منظورينا أهوكة القضاء وأمورنا فسفس.
الحبيب عمار: مفتش عنه يستقبله رئيس جمهورية في قصر قرطاج.
ناجم الغرسلي: وزير داخلية سابق مفتش عنه لمدة ثلاثة سنوات يجبد في شهريته من البانكة.
محمد الغرياني: آخر أمين عام للتجمع يشغل منصب مستشار لدى رئيس البرلمان يتحدث في التلفاز على ضرورة مصالحة التجمعيين أصحاب القضايا العدلية.
العربي نصرة: من متهم بالتحريض على الفوضى والتخريب إلى بريء.
والقائمة تطول وتطول وتطول.
من بعد، يطلوا من كل مكان يطالبوا بالضرب على أيدي المخربين ويتسائلوا كيفاش مراهق ما يؤمنش بدولة القانون في نظام ديمقراطي جابه الصندوق. الي يحب يفهم الثقافة والتمثلات الي تنبع منها الممارسات الاحتجاجية الراهنة لازم يتلفت إلى أغاني الفيراج والراب. غادي قاعدة تنحت فئات واسعة من شباب ومراهقي بعد الثورة في خطابها وتمثلها لذاتها ومجتمعها.
نسمع صرخات عالية: الدولة في خطر! لكن، ماذا عن المجتمع؟ هل الدولة كائن مفارق للمجتمع؟ هل الدولة أعلى من المجتمع؟ أليست الدولة، في نهاية المطاف، هيئة من هيئات المجتمع؟ ما الجدوى من دولة قوية تحكم مجتمعا مستنزفا؟ لن يحصل تغيير حقيقي في بلادنا حتى تحول النخب قصدها من بناء الدولة إلى بناء المجتمع.
في سنة 2013، نشر عالم الاجتماع الفرنسي دينيس ميركلين كتابا بعنوان: لماذا يتم حرق المكتبات؟ وهو حصيلة بحث ميداني دام خمسة سنوات بغاية تفسير ظاهرة حرق المكتبات العمومية أثناء احتجاجات الضواحي الفرنسية (بين سنة 1996 و2013 تم حرق 70 مكتبة عمومية في الضواحي الفرنسية).
ويمكن تلخيص التأويل الذي يقدمه الكتاب لهذه الظاهرة، بكثير من الاختزال والتعسف، كالتالي: تتكثف في المكتبة العمومية، بالنسبة إلى شباب الضواحي الهامشية، سياسة الهيمنة التي تمارسها الدولة من خلال محاولة الإستيعاب الثقافي القسري بفرض الثقافة العالمية الفرنسية على حساب الثقافة الشعبية غير الفرنسية.
بالمثل، ينبغي في تونس أن نتساءل، على ضوء الأحداث الأخيرة: لماذا يتم السطو على المغازات الكبرى و السحاب الآلي البنكي في الضواحي الشعبية؟ لا يوجد لدي تأويل مكتمل لهذه الظاهرة. فقد يتطلب ذلك عملا بحثيا مضنيا يمتد لسنوات.
لكن، يمكنني الإشارة، من خلال معرفتي الميدانية بالأحياء الشعبية، إلى ملاحظة هامة: إن دخول فروع المغازات الكبرى والبنوك إلى الأحياء الشعبية واقعة حديثة. فقبل سنة 2010، لم يكن بالكاد يوجد فرع بنكي أو فرع مغازة كبرى في حي شعبي. وقد تكثف حضور هذه الفضاءات في الأحياء الشعبية منذ سنة 2015. بل قد صار افتتاح فرع مغازة أو بنك في حي شعبي مدعاة للمباهاة والفخر لدى أبناء الحي، فهو في نظرهم رمز لحداثة هذا الحي ورقيه، أي رمز لانتماء سكانه إلى فضاء الطبقات الوسطى.
في المقابل، فهمت من حديثي مع عدد من العاملين في فروع المغازات والبنوك أن هذه الفضاءات قد خلفت أثرا مهما في سلوك الطبقات الشعبية الإستهلاكي يصورونه من خلال حديثهم عن تناقضات سلوك حرفائهم: أي، باختصار، خلقت هذه الفضاءات بتكثف حضورها في مجال الطبقات الشعبية، رغبات إستهلاكية جديدة لدى هذه الطبقات دون أن تتوفر لها ضرورة مقومات إشباعها.
طبعا، هذا لا يمكن فصله أيضا عن التحولات الجديدة التي تعيشها عديد الأحياء الشعبية التونسية، حيث تشكلت فيها خلال العقدين الماضيين نواتات طبقة وسطى حققت صعودها من عالم الطبقات الشعبية عبر التعليم والوظيفة العمومية والتجارة. وهو ما ينعكس في الإنقسامات المجالية التي بدأت تبرز بقوة داخل هذه الأحياء، خصوصا بين مراكزها التي تقطنها الفئات الوسطى الجديدة وتتركز فيها مؤسسات الدولة الحيوية (مركز الشرطة والقباضة ومركز البريد) وفروع البنوك و المغازات الكبرى، وهوامشها التي بقيت محافظة على معالم الهامشية الحضرية.
وهو ما يسير بالتوازي مع تحول آخر في عالم الطبقات الشعبية، مع تكثف أشكال العمل الهشة والمرنة وغير النظامية، مما ساهم بقوة في تحويل هوية الطبقات الشعبية من الإنغراس في عالم العمل، إلى الإنغراس في المجال. أي الانتقال من تعريف الطبقات الشعبية من خلال صورة العامل إلى تعرفها من خلال صورة سكان الحي أو ولد الحومة.
فقد يكون من المغري، إذن، فحص هذه الفرضية البحثية ميدانيا: تشكل ظاهرة السطو على فروع المغازات والبنوك والسحابات الآلية في الأحياء الشعبية تعبيرا عن تناقض عميق يقطع عالم الطبقات الشعبية، بين الرغبة في الإنتماء إلى عالم الطبقات الوسطى الإستهلاكي، وإفتقاد مقوماته المادية. وهو تناقض تزداد حدته بتزايد الانقسامات الاجتماعية والمجالية داخل الأحياء الشعبية ذاتها، مع تشكل نواتات طبقة وسطى داخلها وتكثف فضاءاتها وعلامات رموزها وحضورها، على رأسها فروع المغازات الكبرى والبنوك، وبتزايد هيمنة أشكال العمل الهشة والمرنة وغير النظامية التي لا تحقق المقومات المادية للإستهلاك الاستعراضي لدى الطبقات الوسطى.