الخطيئة الأولى اقترفها الرئيس سعيد منذ بداية عهدته وتجلت بوضوح عند تكوين الحكومة الاولى برئاسة الجملي أو بالأحرى عند محاولة تكوينها. كان اكثر الملاحظين قد نبهوا الرئيس المبتدئ والفاقد للتجربة السياسية ونصحوه بتنسيب فوزه الساحق وبضرورة التصرف كرئيس لكل التونسيين. يعني رئيس جامع، مصغ وموفق، بل ومذلل للخلافات والمناكفات السياسية.
ما حدث هو العكس تماما ورأينا رئيسا يقسم التونسيين و يحقر من شأنهم أو شأن بعضهم ويتدخل في تكوين الحكومة وتركيبتها مزكيا بعض الاحزاب ومشيطنا أخرى علنا. كان ذلك من الناحية القانونية اول خرق للدستور يقوم به سعيد، ولكن الأهم انه اخطأ بل اذنب من الناحية السياسية والأخلاقية لأنه أشعل فتيل الفرقة والتباعد في بلد كان في أمس الحاجة إلى من يوحده ويبث فيه روح التهدئة.
الخطيئة الثانية، كانت أبين وألعن. الخطيئة الثانية تتعلق بالطريقة التي تعامل من خلالها الرئيس سعيد مع الفخفاخ وحكومته. وبقطع النظر عن الاسلوب الذي اتبعه في "مشاوراته" مع الاحزاب ثم في اختيار الفخفاخ "المفاجئ" فإن سقوط رئيس الحكومة مثل منعرجا ونقطة فارقة حيث انها كشفت النزعة الاستبدادية والانفرادية لقيس سعيد.
الأزمة التي طفت على السطح بسبب امتناع الفخفاخ عن التصريح بعدة حلات تضارب مصالح تتعلق به شخصيا كشفت كذلك ان قيس سعيد لا يقيم وزنا للدستور وللمؤسسات. بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك،هي كشفت ان سعيد مستعد لأن يفعل أي شيء مقابل المحافظة على وضع التحكم والسيطرة.
وسواء كانت فضيحة الاستقالة تمت بعلم المعني بالأمر أو بدون علمه وسواء كانت استقالة مكرهة أو معدة ومكتوبة سلفا فهي مفعمة بالمعاني والعبر. معاني غير حميدة وعبر سيئة.أنا شخصيا حسمت أمر الرئيس سعيد وحسمت امري معه منذ تلك الفضيحة الدستورية. كان ذلك من الناحية القانونية خرقا آخر جسيم للدستور وخطأ كبيرا من الناحية السياسية والأخلاقية لأنه ضرب المؤسسات التي كنا بصدد بناءها لتكون ملزمة للجميع.