شيرين… والزلزال الناعم
« ليس سهلا ربّما أن أغيّر الواقع… لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم »… هكذا أوضحت الشهيدة شيرين أبو عاقلة دور الصحفي الأساسي راسمة في الآن ذاته، بتواضع غير متكلّف، حدود قدرته على تغيير الواقع… غير أنّ وقائع استشهادها وتفاصيل التشييع المهيب أبان أنّ الكلمة متى صدقت، هي كما البذرة سرعان ما تؤتي سحرها … أوليس « في البدء كانت الكلمة »؟
ولكن الكلمة لا تخلق رجع صداها إلا بشروطها الإنسانية…« الطيبة » سرّ الوجود وسحر التأثير « كلمة طيبة كشجرة طيبة (…) تؤتي أكلها بإذن ربها »، مقابل الخبيث المجتث الذي ليس له قرار.
الخبر الأول: لأول مرة في تاريخها تقرع الكنائس أجراسها أثناء تشييع رفاة شيرين… فالكنائس في عالمنا العربي، كما المساجد طرائق ومذاهب متصارعة لا تتوحّد إلا على أمر جلل.
الخبر الثاني: المسلمون يؤدون صلاة الغائب (الجنازة) على روح شيرين، ويشارك الآلاف منهم في تشييع الجثمان الطاهر الى مثواه الأخير بمقبرة جبل صهيون، غير عابئين بأصوات قادمة من زمن العطالة الفقهية ودفاتر الفتن المذهبية والدينية، رائدهم في ذلك دفق الحبّ الذي طمس حرج النصوص المخرجة من سياقها… حيث تقدّم دعاة دينيون مسلمون ومسيحيون خطوة في اتجاه هذا الدّفق عساه ينتج تغييرا دائما.
من شروط تغيير المواقف، كما تبيّن كلاسيكيات علم النفس الاجتماعي، الحبّ… نعم الحب قد يفرض على الشخص تغيير مواقف يستحيل تغييرها عن وعي بدون ذاك الشعور (لا نتحدث عن التغيير دون وعي عبر تغييب العقل)… لقد كانت سيرة شيرين… إنسانيتها.. صوتها .. حبّها لأهل فلسطين…. كل أهلها الرازحين تحت الظلم، وتفانيها في إيصال أناتهم ومآسيهم وصمودهم وبعض أفراحهم…
كانت الكلمة الصادقة في سهل خصيب.. فكانت الثمرة، دفقا من الحب عطّل بعض مفاعيل « الهويات الثابتة المتخيّلة » وأفاض عليها نسغا من الإنسانية ستغيّر الكثير إن استمرّت.
كثيرا ما قرأنا أنّ في حضرة الشهادة ينتصر الدم على السّيف، أمّا وقائع استشهاد شيرين فتكشف لنا قدرة الشهيد على تغيير الواقع… بدفق الحب.