أثارت زيارة وفد شبابي لرئاسة الجمهورية امس عديد ردود الافعال المرحبة و المثمنة لها و الغاضبة و المنددة بها . ان التعامل مع رئاسة الجمهورية كمؤسسة دولة شرعية منبثقة عن انتخابات ديمقراطية لا حرج فيه و هو عامل تثبيت لمناخ الاعتراف بشرعية الصناديق و الارادة الحرة للناخبين و هذا مهم للحفاظ على المسار الديمقراطي . و طرح هذا الوفد فكرة اجراء حوار شبابي برعاية مؤسسة رئاسة الجمهورية .
فما جدوى هذه الدعوة ؟ و ماهي الحلول الممكنة لاقامة حوار شبابي مثمر ؟ اعتقد انه ليس من المجدي ان ترعى رئاسة الجمهورية حوار شبابي لعدة اسباب ساقدمها تباعا . لا يقبل معظم الشاب سيكولوجيا الوصاية المطلقة و التسيير الفوقي - الا اذا كان يعاني من خلل ما - اذ ان هذه الشخصية حركية مندفعة و مليئة بالحيوية و الرغبة الجامحة في التغيير و لا ترضى هذه الشخصية عادة الرضوخ و الاستكانة لمقررات " رجال الماضي " الذين يديرون مؤسسة الرئاسة اليوم. و يسعى الشاب دوما لخلق طرق عمل سياسي جديدة منبثقة من نظرته الخاصة للواقع الذي يعيشه لا من نظريات تقليدية نسجت بناءا على وقائع مغايرة للعصر الحالي و اذا ما نظرنا لمؤسسة الرئاسة سنجد ان المسؤولين فيها يتبنون افكارا بورقيبية كانت ربما صالحة في وقت ما و لكن لا تنفعنا اليوم باي حال من الاحوال .
ايضا لم يتخلص معظم شباب تونس من هاجس الديكتاتورية التي طوعت اجيال لخدمتها و الدعاية لها و جعلتها مجرد واجهة جميلة مزركشة بشعارات براقة تختفي وراءها نوايا قبيحة تهدف لسلب الشباب حريته و ارادته. و لا يخفى على احد - تقريبا - ان مخاوف الارتداد تسيطر على اوساط واسعة من الشباب و باتت مقلقة لحد كبير.
الحلول الممكنة لحوار شبابي مثمر ان العامل الرئيسي لنجاح اي حوار هو الاعتقاد بحق الاختلاف و التشبع بقيم المدنية و البناء على الارضية الصلبة - الى حد ما - التي نمتلكها و هي الدستور اذ نص على مبادئ هامة ينبغي على الشباب النظر فيها و تفعيلها جديا لتكون منطلقات كبرى لاي حوار يجمع بين مكوناته.
اعتقد ان على الشباب الناشط ان يؤسس بنفسه ،باقتدار و بكل شجاعة و مسؤولية لمؤسسة حوار تجمع كل التيارات الفكرية و الايديولوجية و ينتخب ادارة ذات تمثيلية واسعة و يتطلب هذا قدرا عاليا من التفاهم و التقارب و نكران الذات و الاستقلالية خاصة لمنع محاولات الوصاية و التسلط من مؤسسات و احزاب كلها - تقريبا - عقائدية تنظر للشباب بانتهازية و تريده ان ينجز باياديه ما تفكر به عقولهم.
ان المرحلة التي تمر بها بلادنا تحتاج لطاقات شبابية فاعلة و متحمسة لصياغة لوائح كبرى تتضمن نظرتها لمستقبل البلاد الاقتصادي و السياسي والاجتماعي و تنبع من نظرة تجديدية عميقة لواقع صعب يكاد ينفجر.