الفرق بين الحكومة الحالية (حكومة الأمر الواقع) والحكومات السابقة أنها تعمل ضمن منوال سياسي جديد (مختلف)وليس وفق منوال تنموي جديد أي أنها لم تحقق القطيعة مع الخيارات الكبرى الإقتصادية والمالية والجبائية .
وهي حكومة تعمل في الظل ولا ينظر إليها أنها حكومة مسؤولة ينبغي أن تحاسب لأنها غير منتخبة ولا ينبني عملها على وعود إنتخابية يتم مطالبتها بالالتزام والإيفاء بها ولم تركز المعارضة من داخل المنوال السياسي ومن خارجه نقدها لعمل الحكومة وهو عمل يومي وإنما ركزت كل إنتقاداتها لإجراءات الإنقلاب الدستورية والسياسية وهي ليست من صميم العمل الحكومي لذلك لا نجد أن المعارضة تضع في حسابها أيا من إجراءات الحكومة بما في ذلك تلك التي لها علاقة بالجانب المعيشي كالغلاء والتضخم والبطالة وفقدان المواد السياسية إذ هيمن خطاب السلطة التي تحمل مسؤولية ذلك للمتآمرين والمحتكرين ومن ينكلون بالشعب.
كما أن الحكومة بقيت تعمل قرابة سنتين(وهي مدة أطول من عمر أي حكومة قبلها عدا حكومة الشاهد) في غياب البرلمان وبالتالي بدون رقابة فعلية أي بدون محاسبة على الأداء وعلى الإنجاز وقد كان البرلمان المنتخب وضمن منوال سياسي مغاير (نظام برلماني معدل) يوفر الغطاء السياسي للمطالب الإجتماعية حتى ولو كان يوفر الحزام السياسي للحكومة ففي خصوص المطالب الإجتماعية كل الكتل كانت تضغط على الحكومة بما في ذلك الكتل الحاكمة مضاف إليها ضغط النقابات .
فحكومة الأمر الواقع هي الوحيدة منذ الثورة التي لم تشتري السلم الإجتماعية عن طريق التحويلات والتفاوض بل إنها تنكرت للإتفاقيات مع الإتحاد واستقوت بالمنشور22 وأعفاها قيس سعيد من تطبيق قانون 38 لتشغيل أصحاب الشهائد العليا الذين طالت بطالتهم .
ولو تحقق للحكومات السابقة عن حكومة بودن نفس الإسعاف وظروف التخفيف الإجتماعي(تحمل المواطن كل العبء الناتج عن التضخم والزيادات في الأسعار) إذ أن الجبهة الإجتماعية شبه مجمدة لكانت نتائجها أفضل بكثير من حكومة بودن الصامتة التي سكتت المعارضة السياسية والمنظمات الإجتماعية عن نقد سياساتها بما أنها كانت تعتبرها مؤقتة وتابعة و لاحول لها ولا قوة وكما كانت تقضم من القدرة الشرائية للتونسيين كانت السلطة السياسية تقضم من حرياتهم فحولت إهتمامهم من النضال ضد غلاء المعيشة والأسعار إلى الدفاع عن مربع الحرية الذي يتقلص كل يوم ومعه يتقلص هامش المبادرة وتزداد المخاوف من تغول المؤسسة المحتكرة للعنف في ظل منظومة لم تعد قائمة على توزيع السلطة والتفريق بين السلط وحياد الإدارة وحرية الإعلام .
وهذا يطرح على المعارضة إعادة النظر في كيفية مقاربة المسألة السياسية في إرتباط بالوضع الإقتصادي والإجتماعي أذ أن تقاعس النقابات وقبولها بالعمل تحت سقف سلطة تحمي الحكومة ولا تحمي الحريات بما فيها الحق النقابي جعلها تمدد هدنة من طرف واحد وبدون مقابل سياسي أو إجتماعي وتجعل الحكومة تفلت من النهوض بالتزاماتها تجاه الفئات الفقيرة والمهمشة والتي تلقي إليها من فتات الهبات والمساعدات الدولية لضمان إنخراطها في مسار سياسي يضيق على الحريات ويحمي الحكومة من الرقابة والمساءلة بل إن هذه الحكومة لم تعد مسؤولة حتى أمام الرئيس الذي يكتفي بإعفاء وزير من وزرائها كلما إقتضت الحاجة للإيحاء بعدم الرضى عن الأداء وعن النتائج .