يوم الخَميس هو اليوم المُخصّص لزيارة السجين السياسيّ السيد عصام الشابي حسب التراتيبِ المعمولِ بها من قِبل إدارة السجن. تقتصرُ الزيارة على شخصين من العائلة المُقربة مرّة واحدةً في الأسبوع لمدة ربع ساعة فقط وتتمُّ عبر الهاتف من وراء حاجز بلوريّ سميك وإلى ذلك يتمتّع السجناء بحق إضافي في الزيارة بمناسبة الأعياد الدينية.
بتناوب أفرادِ العائلة المُقربة على الزيارة وكان هذا الخميس من نصيبي في الزيارة. غادرت البيت على الساعة العاشرة صباحا ووصلت سجن المرناقية على الساعة العاشرة وخمس وخمسين دقيقة اين التقيتُ زوجة شقيقي عصام السيدة فائزة الراهم في الخلاء لأن الإدارة لا تُخصص مأوى لسيارات عائلات السجناء وتوجهنا إلى السجن.
كان اليومُ حارّا حرارة شديدةً وكان الاكتطاظُ شديدا أيضا، يُذكّرك بيوم الحشر مئات العائلات المتلاصقة المتحاكة تنتظر على الطوابير اخذنا مكاننا في الطابور تحت اشعة الشمس وظَللنا ننتظر دورنا لتسليم القفة. بعد ساعة ونصف من التقدم الشديد البطيء، جاء دورنا لتسليم القفة إلى الشباك المُخصص لقبولها وهممنا بالتوجه بعد ذلك إلى قاعة الانتظار لمقابلة قريبنا الموقوف ولكن طلب منا الاعوان العودة مجددا إلى آخر الطابور لانتظار دورنا لدخول القاعة امتثلنا وعدنا الى آخر الطابور وكان الانتظار شديد الطول في نفس الأجواء الخانقة والشديدة الحرارة، بعد ساعة ونصف أخرى تمكنا من دخول قاعة الانتظار التي كان بها مئات من الناس ينتظرون دورهم أيضا، حوالي الساعة الثالثة والنصف ظهرا وصلت أخيرا زوجة شقيقي إلى الشباك الثالث لتسجيل اسمَينا على قائمة الزوار فاجأها العون بالرفض لأن شقِيقي تمتّع بزيارة يوم العيدِ من قبل ابنيهِ، أجابت بأنّ زيارة العيد زيارةٌ إضافية اما زيارةُ الخميس فأسبوعية وهو ما جرت به العادةُ.. تمسّك العون بالرفض دون تبريرٍ أو تَفسير وأضطررنا إلى الخروج من القاعة بخفيّ حنين بعد رحلة من الانتظار على الطوابير تحت اشعة الشمس الحارقة بلغت ستّ ساعات بأكملها. كُنت ارتدي قميصا اسود اللون كساهُ البياض بسبب الأملاح التي لفظها الجسم بمفعول الحرارة أشعة الشمس.
توجّهنا إلى مكتب العلاقة بالمواطن" للتظلم" من هذا الموقف المذل والغير إنساني، والفاقد لكل سند، لكن ورغم كياسة الاستقبال فلا حياة لمن تنادي فلمن أشكو أمري يا ترى لم يبق لي سوى الرأي العام بعد الله..
ما يحزُّ في النفس ليس طول الانتظار ولا صعوبة التنفس حتى أنك كنت تشعر بأن قلبكَ يكاد يخرج من صدرك ولا هي قلة الاحترام فلا السنّ مُبجّل ولا المقام منجل لا بسبب المال أو الجاه ولكن بسببِ الثقافة والأخلاق والسلوك المثاليّ، ولا يحز في نفسك الظلم المسلط عليك وعلى شقيقك فتلك مسألة أخرى حسابها في حلبة الصراع ضد الاستبداد وإنما يحزُّ في النفس هي إهانة المواطن من قبل إدارة تسجنُ المواطنين بالألاف ولا تخصص لهم ما يكفي من المكاتب والاعوان للحفاظ على كرامتهم، إدارة لا تحترم التراتيب التي تضعها بنفسها ولا تكلف نفسها عناء اشعار المواطن بالتغيير الذي أدخلته، فلا تصدر بلاغا ولا تلصق مجرد معلقة على الجدران ولا تنبه عن طريق مكبرات الصوت التي تستعملها لحض الناس على الانضباط في الطوابير إدارة كهذه لا تحترم المواطن، لا يمكنها ادعاء حبّ الوطن فحب الوطن سعي وتضحية وليس خطابا اجوفا وإدارة لا تحترم المواطن ولا تحترم نفسها.
فهي تنحدر بنفسها من سمو الوظيف إلى مستوى العسس المكلف بحراسة الحيوان واحسب اننا ورثاء حضارة عريقة حضارة لا مادية فعلا ولكنها حضارة تقوم على الاخلاق والقيم والمعارف والروح المدنية حضارة تكرم الانسان تناقلت وسائل الاعلام بان عنبر السيد عصام الشابي (الشمبري) محروم من الماء لليوم التاسع على التوالي في ظروف الصيف الحار، أردنا التوجه الى مدير السجن لاستجلاء الامر اعترض طريقنا عون مسلح ليقول أن اليوم يوم عطلة وان المدير متغيب عن العمل. أجبنا انه ليس المقصود في شخصه وانما من يقوم مقامه وأوضحنا سبب المقابلة غادر أحد الاعوان ليستشير ثم عاد ليقول عوادا يوم عمل … وكأن الظمأ يستريح يوم العطلة… لمن اشكو إدارة بلدي؟؟ إلى السلطة السياسية التي تستعبدنا؟ إلى القضاء المقبوض على أنفاسه هو الآخر؟
أشكوها إلى أصحابِ الهمم والضمائر لينهضُوا بأمّتهم حتى تحفظ كرامة الانسان، فكيفما تكونوا يوّلى عليكم ولا يُغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.