أغلُبنا يواجه كسلًا غير مُبرر عن الصلاة، ويأخرها عن وقتها دون أن يهتم لِعظم هذا الفعل وعقوبته لكن، هل سألت نفسك إن كان ما انشغلت به مهمًا لدرجةِ تسبيقه على الصلاة والاحتجاجِ به؟ عند الله.. وماذا سيضر إن تركت ما تفعل لبضع دقائق؟ حتى وإن سألت، ستبقى تنتظُر أن تأتيك تلك الأعذار والإجابات المقنعة لكنها لن تأتي!
لأنها ستراودك قبل الصلاةِ فقط وتختفي بعدها وتتركك في ضجةٍ داخلية وتأنيب ضمير ويستمرُ هذا المنوال على أمل أن يأتي اليوم الذي لن تقطعَ فيه الصلاة أو تأخرها. وكُلما وجدت عبدًا مواظبًا على فرائضه تحججت بمشاغلك وبأن حالك ليس كحالهِ، وأنها هِبةٌ إلهية يهبها الله من يشاء ويسلبها ممن يشاء.
فكرةُ توديعك للحياةِ وصحيفتك لاتحمل إلا ركعاتٍ قليلة متقطعة، مزعجةٌ ومؤلمة تتمنى أن تواضب، وتدرك جيدًا أن حالكَ سيتحسنُ بمجرد صلاتك، ومع هذا لا تُصلي حسنًا؛ هل فكرت قليلًا في السبب؟
إن بحثت عن الأسبابِ ووقفت عند أهمها، ستجد أنكَ تعيشُ في حالةٍ من اللاوعي تُسمى "سيأتي يوم". سيأتي يومٌ أهتمُ فيه بنفسي، سيأتي يومٌ أطور فيه من نفسي، ويومٌ أهتمُ فيه بعباداتي وأخرُ يتعدلُ فيه عملي. سيأتي يومٌ أكونُ فيهِ أحسن الخلق في كل شيء، لكن ليس الآن!
تنتظرُ أعجوبةً من السّماءِ تُحركك، وكأنك لست المسؤول عن نفسك؛ وكأن الأيام التي تمر ليست من رصيدِ عمرك . تنتظر عمرًا أخرَ تكونُ فيه شخصًا مثالي. تظنُ أن من يحافظ على صلاته، له تركيبةٌ بيولوجية خاصة وأن الله منَّ عليه بميزة متفردة وقدراتٍ ليست لديك، وتنتظرُ أن تُغرس تلك الهِبة في قلبك بين ليلةٍ وضُحاها لِتواكب الصالحين.
ولكن السؤال، إن كان الحفاظُ على الصلاةِ أمرًا إلهي، يؤتيه الله من يشاء ويسلبه ممن يشاء، فلماذا الثوابُ والعِقاب أخبرني؟ وأين عدلُ اللهِ إن كانت تلك الميزةُ عند البقية وأنت محرومٌ منها؟
- اعلم بأنه عليك الخروج من مرحلةِ "سيأتي يومٌ وَ" إلى مرحلةِ صنعُ ذلك اليوم بنفسك عوضًا عن انتظار ولادته من العدم، صحيحٌ أن الأمرَ ثقيلٌ في البداية ولكن دائمًا هُناك أولُ مرةٍ لكل شيء. أولُ خطوةٍ هي شغلُ الذهن باختلاق عواملٍ تُعينك على الصلاة عوضًا عن شغله باختلاق الأعذار لترك الصلاة.
- يظنُ الكثير أن عدم أداء الصلاة راحة؛ فيفضل عدم الصلاة على أدائها. لكن في الحقيقة؛ المجهود النفسي المبذول لعدم الصلاة أكبر من المجهود البدني لأداء الصلاة وأن أداء الصلاة من الأنشطة التي تجذب السعادة والسكينة وطمأنينة الروح، بينما يجذب عدم أدائها ضيق الصدر واستحقار الذات والتقليل منها، بدايةُ السير على الدرب هي الاعتراف بقدرتك على الحفاظ والمواضبة.
لأن في الغالبِ برمجتُنا نحو الصلاةِ كانت برمجة أمر وتنفيذ، دون تدبُرٍ في العبادةِ وفهمِ مدى ضروريتها وفضائلها وعواقبِ تركها. فمثلًا في الصِّغر اعتدنا أن يأمرنا الوالدين بالصلاة فنمتثل للأمرِ ونذهبُ للصلاة، فنجدها ثقيلةً ونتخلى عنها ونجدُ أنهم لا يشعرون بما نشعرُ به اتجاه الصلاة وذلك لأنهم بالغين أو أن الله وهبهم القدرة على ذلك فننتظرها بدورنا، وهذا ما يسمى بالعزلِ أو الاستثناء في علم النفس وهو أن تستثني نفسك من النجاح أو الوصول لشيءٍ ما، بحجة أن من حقق هذا الأمر يمتلك هبةً أو ميزةً خاصة ليست عندك فصار عندنا شعورٌ بالعزل اتجاه المُصلين، لأننا لم نُعالج جذر المشكلةِ بعد حقيقةً؛ تتجلى الإجابةُ في معرفةِ بداية الأشياء لأنها تُيسر فهمها لنا فمثلًا؛ أن الصلاةَ فُرضت في ليلة الإسراء والمعراج بعد قُرابةِ اثنى عشر عامًا من النبؤة، ولابُد أن فرض الصلاةِ بعد هذه المُدة لحكمة بالغة من الحكيمِ العليم.
رُبما كان على الصحابةِ التعرف على الله وصفاته ورحمته وقدرته أولًا حتى يستقر الحُب في قلوبهم، فيأتي فرضُ الصلاةِ فيجد اقبالًا منهم وتعظيمًا فإذا عُرف الأمر، نُفِذ الأمر فصارت الصلاةُ في ظاهرها فرض عليهم، وفي جوهرها هبة من الله لعبادهِ للإتصال بهِ أكثر ومناجاته فعلى سائرِ دربهم، أول مهارةٍ نتعلمها للحفاظ على الصلاة هي التعرف على الله فإن كنت تظن أن علاقتك مع الله تُلخص في أمرٍ ونهي فقط، فـظنك خاطئ.
إن الله رؤوف بعباده، نسبَ حتى المذنبين منا إليه ولم ينكرهم، أحبَّ الأوابين منا ولم يصفهم بالمنافقين بل خصص لهم مكانةً تليقُ بجهادهم للهوى. ثُم لا تفوت فرصةً فيها عِظة واقترابٌ من الله، ثم لا تنسى أنك نشأةُ أفكارك.
شئت أم بيت فإن مايدور في عقلك هو ما يحدث فيه حياتك، فإن كنت تنوي تحسين أي جانبٍ من جوانبك الحياتية فحسن فكرك وأخيرًا ركز على "صورة الصلاة في ذهنك" تذكر يومًا قضيتهُ في صلواتٍ خاشعة مطمئنة بعد انقطاعٍ دام طويلًا، وكمية الراحة والنقاء التي غمرتك وقتها، أو مدى خشوعِ أحدهم حتى حسدته على تلك اللحظة.
جاهد ذهنك في رسمِ صورٍ جميلةٍ عن الفروض عامةً عوضًا عن ماصوره لك الشيطان عن كونها ثقيلةً متعبة. ولا تنسى أنها تطهر أذهاننا وتهبها الراحة والسكينة، ويتصور ذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام "أرحنا بها يا بلال"
لا تجتهد لتصلي، بل اجتهد لتتعرف على الله فتشتاق إلى لُقياه في كل فرضٍ ونافلةٍ وراتبة.