تشتدّ في بلادنا الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويشتد معها إمعان السلطة الحاكمة وعلى رأسها الرئيس قيس سعيد في الخطاب الشعبوي المتشنّج والإقصائي لكل رأي مخالف في تغطية أصبحت مفضوحة لعجزه على إيجاد الحلول الكفيلة بإنقاذ الاقتصاد ومواجهة الصعوبات.
وفي نفس الوقت تتواصل حالة التبعثر والعجز لكلّ الأطراف السياسية المعارضة ومكونات المجتمع المدني عن إنتاج خطاب بديل وبرنامج ذي مصداقية في مجابهة المسار التدميري للدولة رغم الاتفاق على توصيف الأوضاع الحالية في عمق الأزمة وتفاقم الأخطار المهددة للبلاد.
وبدأت تبرز منذ فترة قصيرة نقاشات حول الموقف من الانتخابات الرئاسية المنتظرة آخر السنة الحالية بما هي موعد جديد بين النخب السياسية والشعب يمكن إن توفرت شروط الحد الأدنى الديمقراطي أن تفتح الآفاق لتغيير الوضع وبداية الخروج من الأزمة متعدّدة الأبعاد. وتأتي هذه الورقة كمشاركة في هذه النقاشات لتطرح تصوّرا لمقاربة الموعد الانتخابي بخلفية نضالية ديمقراطية اجتماعية.
ملاحظات أوّلية:
يتميّز الوضع الحالي سياسيا بتعمّق الهوة بين الخطاب السياسي لكامل النخبة السياسية سلطة ومعارضة من جهة والواقع المعيشي للجماهير الواسعة واهتماماتها من جهة أخرى. ولعلّ أبرز دليل على ذلك عزوفها عن المشاركة في الأنشطة والمسيرات التي دعت لها المعارضة والجمعيات وعزوفها كذلك عن المشاركة في الإنتخابات التي دعت لها السلطة.
- تكثف جميع السلط في يد رئيس الدولة وتصاعد الخطاب الاقصائي والتخويني لكلّ طرف معارض واعتقال السياسيين في السجون وفتح تتبعات ضد آخرين بموجب المرسوم 54.
توظيف القضاء في ضرب المعارضة والأصوات الحرّة وعودة الأمن السياسي في متابعة ورقابة النشاط السياسي والجمعياتي.
عودة الحياة السياسية عموما إلى ما كانت عليه قبل الثورة فيما يتعلق بانتشار مناخ الخوف والريبة من النقد والاختلاف والتعبير الحرّ.
بقاء عدد من مكتسبات الثورة بتوفر فضاءات إعلامية وجمعياتية وحزبية يمكن التعبير الحرّ داخلها وإيصال المواقف للرأي العام.
تحفز جزء هام من الطبقة الوسطى، الذي يتابع الشأن العام إلى مبادرة وطنية ديمقراطية تنقذ البلاد بعد التأكدّ من خواء خطاب الرئيس الحالي من الحلول الفعلية لمشاكل البلاد ووجود استعداد للمشاركة في مسار يجمع بين النضال القانوني والنضال السلمي والمدني إذا توفّرت قيادة موحّدة للمعارضة لها برنامج بديل جدّي وترفع لواءه وجوه ذات مصداقية ترفض الرجوع إلى الوراء مثلما ترفض الإنبطاح للتسلّط وتفتح آفاقا للخروج من الأزمة العميقة التي آلت إليها تونس.
ينحو الوضع السياسي نحو التراجع عن الحريات والديمقراطية إلى الانغلاق الذي كان يسود قبل الثورة، وإذا لم يحصل تغيير إيجابي فسوف ينغلق الباب تماما بفعل الحكم الفردي العاجز عن إيجاد حلول لمشاكل البلاد.
تتوحد جلّ الأطراف السياسية اليوم بيمينها ويسارها وجلّ مكوّنات المجتمع المدني ولّ جل المتابعين للشأن العام في تونس على نفس التوصيف : توجه السلطة الحالية نحو الانغلاق وتركيز حكم استبدادي ومزيد تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ما العمــــل؟
يمكن أن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة فرصة جديّة لإنقاذ البلاد والتخلّص من الاستبداد والخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة لو توفّرت بعض الشروط تتمحور حول نقطتين أساسيتين.
توفير شروط انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة وتنافسية للمترشّحين وتنقية المناخ السياسي خاصة بإطلاق سراح المساجين السياسيين وتركيز هيئة مستقلة للإنتخابات.
توحّد طيف واسع من المعارضة السياسية ومكونات المجتمع المدني حول مرشّح/مرشّحة واحد/ة يتمّ اختياره بعد صياغة "أرضية الحدّ الأدنى الديمقراطي الاجتماعي المشترك" تتضمن برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مشتركا، ويخوض مسارا نضاليا نحو الانتخابات.
يخوض المرشح /المرشحة مع الأطراف المساندة له مسارا نضاليا يعقد فيها اجتماعات في كل مدن البلاد ومع جلّ القطاعات وفي وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي ويكون القرار النهائي بالمشاركة أو المقاطعة تتويجا طبيعيا لهذا المسار.
يجتمع ممثلون عن الأطراف التي تقبل العمل على أرضية مشتركة ويعلنون أنّ المعارضة الوطنية التونسية تمتلك برنامجا سياسيا وخطة اقتصادية لإنقاذ البلاد ولها أكثر من مرشّح للمنافسة على رئاسة الدولة وهي مستعدّة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية وتعمل على أن يقع تركيز "هيئة عليا مستقلّة للانتخابات" وعدم تقييد حرية الترشّح بشروط مجحفة.
وفي نفس الوقت يتمّ تكوين فرق عمل جديّة وذات مصداقية لصياغة خطّة عاجلة لإنقاذ الاقتصاد وخطة متوسطة المدى وفرق أخرى تعمل على الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها بغاية صياغة البرنامج أو الخطط الاقتصادية في أسابيع قليلة.
كما تتمّ صياغة البرنامج السياسي للمرشّح الرئاسي وتكون من التزاماته تكوين "حكومة إنقاذ وطني انتقالية" لمدّة سنتين أو ثلاثة لإنقاذ الاقتصاد وتنقية المناخ الاجتماعي، كما يتولى بعد التشاور مع كلّ الأطراف تكوين "لجنة وطنية لإعداد الدستور" تتولّى صياغة دستور جديد أو تعديل دستور 2014 لتجاوز هناته ثمّ تنظيم استفتاء شعبي للمصادقة عليه وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية طبق الدستور الجديد.
كما تكون أحد المحاور الرئيسية في هذا المسار القراءة النقدية الصارمة للمسار السياسي منذ الثورة إلى الآن والاعتبار من الأخطاء والانحرافات التي أدّت إلى سقوط البلاد في الأزمة الحالية.
ما ورد في الفقرات السابقة ليس سوى مقترحات أولية لفتح النقاش، المهمّ هو الاتفاق على المبدأ وعلى المنهج المبدأ هو إنقاذ البلاد من التسلط وخطر انهيار الدولة والمنهج هو العمل الموحّد حول أرضية مشتركة تجد اليوم المعارضة والمجتمع المدني أنفسها جميعا تقف عليها بحكم الإقصاء الذي تمارسه السلطة عليها.
سؤال: من له الحق في المشاركة في هذا المسار النضالي؟
الجواب: من له حق إقصاء غيره من النضال من أجل الديمقراطية الاجتماعية؟!
كل من يوافق على المبدأ و المنهج، كل من يتواضع من أجل تونس حرّة وديمقراطية، له الحق في المشاركة دون إقصاء.
ختاما أدعو قراء هذا النص إلى التفاعل مع هذه المبادرة بالسلب أو الإيجاب في إطار احترام الرأي وحرية التعبير يقودنا جميعا حب بلادنا ورفضنا للتسلط والحكم الفردي.
سيقول عديدون هذا مستحيل!
لنكن واقعيين ونطلب المستحيل!!