لم يخفى على أحد منذ "الإنقلاب الدستوري" في 25 جويلية 2021 نيّة الرئيس التونسي "قيس سعيد" إجراء ما أسماه "إصلاحات سياسية"، إنطلقت بتعديلات دستورية هامة مسّت بنظام الحكم ووصلت إلى تعديله القانون الإنتخابي إستعدادا للإنتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر 2022 مرورا بإستفتاء شعبي أثار جدلا كبيرا، بالإضافة إلى جملة من المراسيم و القرارات التي تبعث بالحيرة في صفوف النخب السياسية والمجتمع المدني وحتى المواطنين.
في هذا الصدد، صدر المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرخ في 22 سبتمبر 2022 يتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالإنتخابات و الإستفتاء و إتمامه. حيث تباينت الآراء، على الرغم من أنّ أغلبها إتّجه بنقد لاذع لمقتضياته. إذ يقول الثوري الفرنسي Saint-just أنّ كلّ الفنون أنتجت إبداعات إلّا فنّ التسيير لم يُنتج إلّا وحوشا وغريبي أطوار1 . كما أنّه على إثر صدور المرسوم، دعت مُختلف القوى السياسية والشخصيات العامة لمقاطعة الإنتخابات، حتى ذهب البعض للقول بأنها "إنتخابات خاليّة من المنافسة" و شُبّهت بأنها un non-évènement »2 .
قراءة عامة للمرسوم
إعتبر أستاذ القانون الدستوري "كمال بن مسعود" أنّ هذا المرسوم غير دستوري و يُغّير قواعد اللعبة الإنتخابية قبل فترة قصيرة من الإنتخابات، مُضيفا أنّ المعايير الدولية لا تسمح بالمساس بالقواعد الجوهرية للمنظومة الإنتخابية قبل سنة من إجرائها. حيث إعتبر أنّ طريقة الإقتراع التي تغيّرت من الإقتراع على القائمات إلى الإقتراع على الأفراد في دورتين والتقسيم الترابي الذي تغّير كذلك يُعدّان من الأسس والقواعد الجوهرية. و أضاف أنّ هذه التعديلات في القانون الإنتخابي "أعدّت في غرفة مظلمة" وإنفرد الرئيس بإعدادها. إذ أنّه من الناحيّة السياسية كان على الرئيس تشريك المجتمع المدني والأحزاب السياسية في صياغة هذه الأحكام الجديدة3 .
وأضاف النقّاد أنّ هذا المرسوم هو مُحاولة من الرئيس لإضعاف تأثير الأحزاب السياسية التي قاطعت أغلبها الإنتخابات البرلمانية المقررة. حيث أنّ القانون الإنتخابي، بشاكلته الجديدة، يُساهم في التقليص من دور الأحزاب السياسية. هذه الأحزاب سيقع تهميشها بطريقة غير مباشرة وغير بريئة insidieuse. ذلك أنّه، لو ذهبنا للإنتخابات بهذه الأحكام سنحصل على "برلمان عاجز في مواجهة رئيس سيحتفظ بغالبية المبادرة"4 . وأضاف السياسي "طارق الكحلاوي" أنّ نسبة ترشحات المستقلين إرتفعت لسببين: أولا، بسبب قرار الأحزاب السياسية بمقاطعة الإنتخابا. وثانيا بسبب الصعوبات التي تواجهها الأحزاب الصغرى، خاصة من حيث شرط التزكيات. كما أكّد أنّ هؤلاء المستقلين، أغلبهم ليسوا من النخبة، أي لا ينتمون للنخبة الكلاسيكية للمشهد السياسي، بل هي طبقة سياسية جديدة تتناسق مع ADN خطاب الرئيس5 .
وفي قراءة عامة للأحكام، نستنتج أنّ الرئيس ماض في مشروعه السياسي الذي أعلن عنه منذ حملته الإنتخابية، "البناء القاعدي"، و يتبيّن ذلك في جملة من الفصول أهمها:
- الفرع الثامن (جديد) تحت عنوان "سحب الوكالة"، الفصل 39:
حيث يُمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الإنتخابية، ويتطلب ذلك توفر شرطين: أولا، عريضة ممضاة من طرف عشر الناخبين المسجلين بالدائرة الإنتخابية، على أن تكون الإمضاءات معرّف بها لدى السلط الإدارية المعنية أو أمام هيئة الإنتخابات. ثانيا، أن يتم إجراء تصويت عامّ بالدائرة الإنتخابية المعنية، وأن تحصل سحب الوكالة هذه على الأغلبية المطلقة للمقترعين. و أضافت الأحكام أنّ هذه العريضة يجب أن تكون معللة، في صورة إخلال النائب بواجب النزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النيابية أو عدم بذله العناية اللازمة لتحقيق برنامجه الإنتخابي.
- الفصل 107 (جديد):
نصّ هذا الفصل أنّ التصويت في الإنتخابات التشريعية يُجرى على الأفراد في دورتين في حال لم يحز أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة. وهو ما يعتبر تغيير جذري لطريقة الإقتراع التي كانت سابقا تُقام على القائمات بالتمثيلية النسبية مع الأخذ بأكبر البقايا.
- الفصل 20 (جديد):
حيث إحتوت مقتضياته على حرمان مجموعة مهمة من شريحة المجتمع من الترشح لعضوية مجلس النواب، إلّا بعد مرور سنة من إنتهاء وظائفهم وهم: القضاة، الولاة، أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين، رؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية، الأئمة، رؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية، المعتمدون الأوائل و الكتاب العامون للولايات والمعتمدون والعمد.
- الفصل 21 (جديد):
إحتوى هذا الفصل على شروط الترشح للإنتخابات والتي أغلبها متفق عليها، نسبيا، لكنّه أضاف نقطتين أسالتا الكثير من الحبر وهما شرط تقديم موجز من المشروع الإنتخابي لهيئة الإنتخابات وشرط الحصول على 400 تزكية من الدائرة الإنتخابية للمترشح على أن يكون 200 منهم من النساء و 200 من الرجال و25% منهم يقلّ عمرهم عن 35 سنة.
- الفصل 104 (جديد):
وهو يُعتبر فصل خطير جدا، لكنّه لم يحظى بعد بإهتمام كبير من النقاد، بحكم أنّ التغييرات الواردة على المنظومة الإنتخابية أخفت خطورة هذا الفصل، إذ يتعلق بـ"حالة الإستثناء"، والتي يُمكن فيها، حسب مقتضياته، تأجيل الإنتخابات الرئاسية أو التشريعية والتمديد في المدة النيابية بسبب "خطر داهم" وفق الفصل 96 من دستور 2022 ويتمّ ذلك عن طريق البرلمان.
تغيير نظام الإقتراع:
تجدر الإشارة أّنه، وعلى خلاف الرأي السائد عن وجود نظامي اقتراع: التمثيل النسبي ونظام الأغلبية، فإنّ أنظمة الإقتراع متعددة، ونذكر منها: التصويت البديل، وهو أن يقع ترتيب المترشحين من طرف الناخب، وعند الفرز يقع دائما التخلص من المرشح الحائز على أقل مرتبة في المجموع وإعادة الإحصاء إلى أن يصل أحدهم إلى 50% زائد 1 ويُعتمد هذا مثال في أستراليا. كذلك نذكر نظام التصويت المختلط، وهو يجمع بين النظام النسبي والنظام المختلط، ففي ألمانيا مثلا يقع إنتخاب عضو مباشرة واخر بإعتماد التمثيل النسبي. ونذكر أيضا نظام الإنتخابات التمهيدية ونظام مكافئة الأغلبية ونظام التصويت المشروط وغيرهم من الأنظمة…
إنّ تغيير النظام الإنتخابي إلى نظام الأغلبية مع الإقتراع على دورتين يُستخدم عادة في الإنتخابات الرئاسية، لكنّه مُستخدم كذلك في الإنتخابات التشريعية في حوالي 20 دولة. ففي تونس، و قبل ثورة 2011، غالبا ما إعتمدنا نظام الأغلبية، أي أنّ المتحصل على أكثر عدد من الأصوات يعدّ فائزا في الإنتخابات، وهو ما عزّز سلطة الحزب الحاكم انذاك. إلّا أنّه إبان الثورة، مررنا إلى نظام التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا لنعتمده في إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011، وقد كان منصوحا به في تلك اللحظة التأسيسية لضمان تمثيلية كافة الأطياف السياسية. وعلى الرغم من النصح بضرورة التخلي عنه بعد الإنتخابات التأسيسية، إلّا أنّنا واصلنا إعتماده في 2014 و2019، ممّا جعلنا نتجه دائما لحلول توافقية، بحكم أنّه أفرز برلمانا تعدّديا في كلّ مرّة، ممّا جعل تشكيل أغلبية داخله أمرا عسيرا (بل وصلنا في فترة ما أن تكون الحكومة بدون حزام سياسي برلماني (حكومة المشيشي في 2020)).
ومنذ 25 جويلية 2021، نقد الرئيس التونسي مرارا و تكرارا القانون الإنتخابي، الذي في نظره دفع بالبرلمان إلى التشتت وإلى حالة من الفوضى دفعته لتجميده ومن ثمّ حلّه. وعند الإنطلاق في ما أطلق عليه "الإصالحات السياسية"، تقرّر إعتماد نظام الإقتراع على الأفراد على دورتين، أي أنّ الناخب مُطالب بالتصويت لصالح مرشح واحد، والمرشحين الحائزين على أكثر عدد من الأصوات تُجرى بينهما دورة ثانية، إلّا في حالة حاز مرشح منذ البداية على نسبة 50% زائد 1 من الأصوات. حيث يعتقد الرئيس التونسي، بحسب مشروعه الإنتخابي الذي قدّمه، أنّ البرلمان لا يعكس التمثيلية الإنتخابية الواقعية لخيارات الشعب. ويرى أنّها تعكس فقط أوزان الأحزاب السياسية في كامل جهات البلاد، وهي رؤية مجلسية تتعارض مع المركزية الديمقراطية وتُؤسس لمجالس في المعتمديات والمحافظات، أين يتمّ إقتراح مشاريع وبرامج بمصعد اجتماعي لا مركزي، ينطلق من القاعدة نحو القمة، مع التخلي عن منظومة الأحزاب، التي يعتبرها قيس سعيد مشاريع دكتاتورية مؤجلة. وهو ما يُطلق عليه أنصار الرئيس بـ"الديمقراطية الشعبية"6 . ويُشبّه المعارضون هذا النظام بنظام اللجان الشعبية في ليبيا، والتي كانت أعلى سلطة تنفيذية في ليبيا إلى حدود سقوط النظام في 2011.
من الصحيح أنّ هذا النظام الإنتخابي قد يُقصي أطرافا لا يرغب الرئيس في رؤيتها على الساحة السياسية، لكنّ الواقع السياسي عادة ما يُبيّن العكس، فقد تمّ إعتماد هذا النظام الإنتخابي بنفس الشاكلة في فرنسا لإقصاء اليمين المتطرف، متمثلا في "Le Pen » انذاك، و نجحوا في ذلك، لكنّ ضعف الأحزاب بعد سنوات، وبنفس القانون الإنتخابي، ساهم وخدم اليمين المتطرف ونجح في الصعود.
ونستنج من ما سبق أنّه لا يوجد نظام إقتراع مثالي، ولا تُحدّد نظم الإقتراع النظم السياسية، بل العكس هو الصحيح، فنظام الإقتراع على الأفراد يُطبّق في عدد من الدول الديمقراطية كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، إلّا أنّ البيئة السياسية والإجتماعية والإقتصادية لتلك الدول تُحدّد مدى نجاعة نظام الإقتراع وديمقراطيته. ذلك أنّ البيئة التونسية تتميّز بالجهويات والعروشية وهيمنة بارونات التهريب على الإقتصاد في الجهات، ما سيمنح حظوظا أوفر لأصحاب الوجاهة المالية مقابل الحد من فرص الكفاءات والفئات الهشة كالنساء والشباب. من ناحية ثانية، يتميّز الواقع السياسي التونسي بمجافاة الأحزاب والتنظيمات المهيكلة، ممّا يشعّ على الترشيحات الفردية وغير المؤطرة والتي لا تقوم على مشروع مشترك على المستوى الوطني، ما سيؤدي إلى إنتخاب برلمان مشتت يصعب فيه تكوين كتل نيابية، ما سيؤثر بصفة سلبية على جودة العمل البرلماني7 . هذا بالإضافة إلى أنّ المرسوم حجب التمويل العمومي على المرشحين، مما سيساهم في خلق هوة إجتماعية كبرى و سيجعل من الإنتخابات خاضعة للموازين الإقتصادية للمرشحين، و هو ما يعدّ خرقا صارخا لمبدأ تكافؤ الفرص. كما أضاف جملة من العقوبات تخصّ التمويل الأجنبي أو مجهول المصدر والتي تذهب به لفقدان عضويته بالمجلس مع عقوبة سجنية بـ5 سنوات وحرمان من الترشح إلى أيّ إنتخابات قادمة. لكنّه عدّل في هذه العقوبة، مقارنة بالقانون الإنتخابي السابق، إذ لم يعد يشمل الإنتخابات الرئاسية، التي ستصبح أهمّ بكثير من الناحية السياسية بمقتضى هذا المرسوم والتي ستنزل فيها القوى السياسية والبارونات بكل ثقلها فيها. ولم يحدّد المرسوم سقفا لهذه التمويلات، كما أنّ عبارة "مجهولة المصدر" تحيلنا إلى مسألة حفظ المعطيات الشخصية وكان من الأجدر فقط تحديد سقف، حتى لا يتمّ التعدّي على المعطيات الشخصية. إذ لو رغب مرشح في عدم الكشف عن مصادر تمويله، والتي قد تكون مشروعة، فله الحق في ذلك حفظا لمعطياته الشخصية، فالحل كان إذا في تسقيف هذه التمويلات فقط.
شروط الترشح:
عادة ما يتمّ إستغلال هذه الشروط لإقصاء المنافسين السياسيين، إذ كانت الرغبة ملحّة سابقا من طرف "التيار الثوري" المعادي لحكم ما قبل 2011 لإقصاء "التجمعيين" بـ"قانون تحصين الثورة"، والذي جاء ليقصي مسؤولي حزب التجمع الدستوري ومناشدي الرئيس السابق من الحياة السياسية، إلّا أنّ ضغط الشارع والمسار التوافقي دفع بالتخلي عن هذا القانون. كما رفض المرحوم "الباجي قائد السبسي" الإمضاء على القانون الإنتخابي في 2019 بإعتباره يضم "شروطا سياسية" تقصي أوفر المرشحين حظا للفوز ومنهم "نبيل القروي" و"عبير موسي" وجمعية "عيش تونسي". وإضافة للشروط العادية والطبيعية المتعلقة بالسن الأدنى للترشح والخلو من أيّ صورة من صور الحرمان، أضاف المرسوم جملة من الشروط و منها:
- أن يقدم المترشح موجزا عن مشروعه الإنتخابي من ضمن الوثائق المطلوبة لدى الهيئة لقبول ترشحه، وهو ليس بالمعقول والمنطقي أن تطلب الهيئة المشروع الإنتخابي قبل إنطلاق الحملة الإنتخابية وقبل حتى قبول الترشح وكأنّ المرسوم منح للهيئة صلاحية مراقبة المشاريع الإنتخابية وحتى رفض مطلب الترشح بناء على ما يحتويه. وهو طلب غريب يضعه المرسوم ويثير العديد من الشكوك أهمها الإطلاع على المشاريع الإنتخابية للمرشحين قبل إنطلاق الحملة وما قد يثير من أزمات في ظل تشكيك الجميع في حياد وإستقلالية ونزاهة أعضاء الهيئة، التي ليس لها صفة النظر في المشروع الإنتخابي.
- أن يجمع المترشح من دائرته الإنتخابية 400 تزكية نصفها رجال والنصف الاخر نساء على أن يكون 25% منهم لا يتجاوز سنهم 35 سنة، وهو شرط قد يكون جاء في إطار "ترشيد الترشحات" على غرار التزكيات في الإنتخابات الرئاسية والضمان المالي وغيرهم من الشروط التي توجد في مختلف القوانين الإنتخابية حول العالم. وهو شرط أراد منه الرئيس إقصاء الأحزاب، لكنّه أفرز مفعولا عكسيّا، إذ أقصى به "المستقلين"، فالأحزاب السياسية تملك "ماكينة سياسية" قادرة على جمع هذه التزكيات لمرشحيها في لحظات، لكنّ الأفراد بعضهم غير قادر على جمع هذه التزكيات. كما أنّ الإشكال الأكبر يتعلق بدوائر الخارج، ففي بعض الدوائر الإنتخابية يمكن أن نجد عددا صغيرا جدا من الجالية التونسية والموزعة على مناطق متباعدة جغرافيا و هنا نتساءل كيف يمكن جمع ال 400 تزكية مثال في دائرة انتخابية كأوروبا الشرقية (دائرة باقي الدول الأوروبية). وقد أنتج هذا الشرط عدم وجود أي مرشح بدائرة "الدول الإفريقية غير العربية". ففي منظور البعض أنّ هذا الشرط يمسّ بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة وكان على الرئيس عقلنة هذا الشرط أكثر، خاصّة وأنّ هذا النوع من الشروط سبق وأن أثار جدلا عندما طعن السيد "عادل العلمي" في شرطي التزكيات و الضمان المالي للترشح لإنتخابات الرئاسة. وأضاف النائب السابق السيد "سالم لبيض"، في تدوينة على حسابه بوسائل التواصل الإجتماعي، أنّ التزكيات ستحيي العروشية والقبلية وستزيد من ظاهرة المال السياسي الفاسد. فالمترشح مطالب بالقيام بحملة إنتخابية سابقة لأوانها أو بإعتماد الوجاهة العائلية والمالية لجمع التزكيات. كما أنّ أجهزة الدولة أمام تحدي لوجستي كبير في ما يخصّ مسألة التعريف بالإمضاء، بحكم أنّ ألاف مؤلفة من الأشخاص سيذهبون للبلديات والهيئة للقيام بهذا الإجراء، والذي كان من الممكن تفاديه لو تمّ المضي قدما في رقمنة الإدارات ومؤسسات الدولة وإعتماد "الإمضاء الإكتروني" والـ"QR CODE "والهوية الرقمية. ختاما، هذا الشرط يمس من مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وخاصة حقوق بعض الفئات على غرار "ذوي الإعاقة" الذين سيتعذر عليهم التنقل لجمع التزكيات. حيث كان من المفروض إعفاءهم من هذا الشرط وضمان تمثيليتهم في المجلس التي ضمنها القانون الإنتخابي السابق، بفرض وجودهم من بين ال 10 مرشحين الأوائل في القائمات الإنتخابية.
هذا و قد ساهم هذا الشرط في التقليص من عدد المترشحين و إنتصار حوالي 10 مرشحين نظرا لغياب المنافس، إلا أنّ رئيس هيئة الإنتخابات صرّح أنّه، إستنادا للفصل 143 (جديد) من القانون الإنتخابي فإنّ الهيئة تراقب العملية الإنتخابية، وأنّ المترشح الوحيد لا يعني أنّه فاز وأضاف أنه يُنصح بأن يقوموا بحملة إنتخابية، لأنّه ليس من المنطقي والأخلاقي أن يصبح نائبا بحصوله على عدد أصوات أقل من التزكيات. كما يمكن إلغاء ترشحه حسب الأعمال التي سيقوم بها خلال الحملة، دون أن يصرّح عن الحل في حالة إلغاء ترشح "المرشح الوحيد" فمن سيمثل الدائرة الإنتخابية؟ هذا ونقد الإعلامي "سفيان بن حميدة" هذا التصريح معتبرا المرشح الوحيد تحت المراقبة، وهو منطق يتطابق مع خطاب رئيس الجمهورية الذي صرّح عن عدم رضاءه على ظاهرة "المرشح الوحيد"، رغم أنه الواضع لهذا المرسوم، وتساءل الإعلامي عن المبرر والدافع الذي سيجعل المواطن يذهب يوم الإنتخابات للتصويت لـ"مرشح وحيد" ؟
- وأضاف المرسوم أنه لا يمكن لـ: القضاة، الولاة، أعضاء الحكومة، ورؤساء الدواوين، رؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية، الأئمة، رؤساء الهياكل و الجمعيات الرياضية، المعتمدون الأوائل و الكتاب العامون للولايات والمعتمدون و العمد الترشح للإنتخابات، إلا بعد انقضاء سنة من انتهاء مهامهم في الدائرة الإنتخابية التي يرغبون في الترشح فيها. و هو تنصيص موجود في عديد التشريعات لضمان تكافؤ الفرص و يسمى "موانع الترشح"، و لعل أشهرها والأكثر تداولا هو حرمان العسكريين من الترشح، وحتى الإنتخاب في بعض الأحيان لضمان حياد المؤسسة العسكرية (يُذكر أنه تمّ السماح لهم لاول مرة بالتصويت في الإنتخابات البلدية في 2018، مع خلط الأوراق التي صوتوا عليها مع أوراق بقية المواطنين لعدم التعرف على أصواتهم لتحييد المؤسسة من التجاذبات السياسية). إن درجة تفهم هذا الحرمان متباينة،إذ صحيح أنّ كل هذه المناصب حساسة ومؤثرة في المجتمع، لكن لسائل أن يسأل لماذا يتم حرمان القضاة مثال ؟ أليس لاعب كرة القدم كذلك شخصية مشهورة أو الإعالمي مثلا، ألا يمسّ ذلك من مبدأ تكافؤ الفرص إذا قرروا الترشح ؟ وهل بعد سنة ستنتفي هذه الشهرة والنفوذ ؟ فالمسألة هنا هي أعمق من إحترام مبدأ، المسألة تتعلق بفهم محتوى مبدأ تكافؤ الفرص، وهو أضيق مما ذهب إليه رئيس الجمهورية، فالمبدأ هو أن تتوفر نفس الظروف والإمكانيات لجميع المرشحين على حد السواء دون تمييز، وهو ما يجعل هذا الحرمان غير مبرر قانونيا. كما مسّ هذا النص من مبدأ عدم رجعية القانون والأمان القانوني بإصداره قبل 3 أشهر فقط من موعد الإنتخابات. لكن لا بدّ من الإشارة، أنّ هذا التنصيص سيساهم في مقاومة تضارب المصالح وإعتماد وسائل الدولة و"المعلومة الممتازة" لإعداد المشروع الإنتخابي.
- أن يكون المترشح تونسي الجنسية وغير حامل لجنسية أجنبية بالنسبة للمترشحين في دوائر الداخل مع وجوبية أن يكون أحد والديه تونسيا، وهو ما يثير مسألة التجنيس. حيث بمقتضى هذا القانون فإن الأجانب المجنسون مدعوون للتخلي عن جنسيتهم الأم للترشح للإنتخابات التونسية، وهو ما يُخالف جملة من النصوص منها الدستور في فصليه 23 و 31 والذي تم التنصيص فيهما على المساواة في الحقوق والحريات بين المواطنين والمواطنات أمام القانون، إضافة إلى تحجير سحب الجنسية التونسية من أي مواطن حفظا لكرامته التي تم المساس بها في حال حرمانه من الترشح وهو تونسي بحكم التجنيس. كما تم مخالفة الفصل 26 من مجلة الجنسية والتي تسمح للمجنس بممارسة حقه في الإنتخاب والترشح بعد مرور 5 سنوات من تجنيسه. والمسألة الأهم، هي النية من هذا التنصيص، التي تتضح من خطابات الرئيس أنها مسألة تتعلق بالولاء للوطن، فهل أنّ الجنسية هي الضامن الحقيقي للولاء ؟ فغالبا ماتتعلق أشهر عمليات التخابر والتجنيد من طرف "وطنيين" حاملين لجنسية البلد الذي تمت فيه العملية، و هنا تجدر الإشارة أنه لا فائدة من هذا النص الذي سيحرم شريحة مهمة من التونسيين (وخاصة الكفاءات الذين تحصلوا أغلبهم على جنسيات أخرى لكفاءتهم) من الترشح. فهنا نتساءل عن مسألة الجدوى من هذا النص، إذ ورد في المنشور عدد 8 لسنة 2017 مؤرخ في 17 مارس 2017 حول قواعد إعداد مشاريع النصوص القانونية وإجراءات عرضها وإستكمال تهيئتها أنّ من القواعد الشكلية العامة لصياغة النصوص القانونية إحترام مبدأ الأمان القانوني، وذلك بالتثبت من جدوى النص المزمع إعداده لتفادي تشعب وتغيير المنظومة القانونية. فضلا عن ذلك، تمّ مخالفة الفصل 55 من الدستور الذي يفرض احترام الحقوق و الحريات ويضع جملة من الشروط الصارمة لتقييدها لعدم المساس بجوهر هذا الحق. فهذا الشرط خلق ما يسمى مواطنة من درجة ثانية citoyenneté du second degré، وهو شرط يوضع لأول مرة في تونس. في المقابل نجد العديد من الأمثلة لتونسيين أو لجنسيات عربية ممن أصبحوا وزراء و نوابا في برلمانات غربية. وهنا يشترط القانون في هذه الحالة الترشح بدائرة بالخارج، والمضحك في الأمر أنه في نفس الوقت يشترط الإقامة. فكيف لمزدوج جنسية يقطن بتونس أن يجمع بين شرطي الإقامة و الجنسية في الترشح ؟ إضافة لذلك ماهي الالية المعتمدة للتحقق من شرط الإقامة ؟ خاصة وأنّ بعض المترشحين يمكن أن يكونوا في قطيعة مع مكان اقامتهم منذ سنوات.
- أن يكون نقيا من السوابق العدلية، إذ وسّع المرسوم من دائرة الحرمان التي كانت تشمل في السابق فقط العقوبات التكميلية لتشمل اليوم كل العقوبات، أي كذلك الجنح و الجنايات. وهو شرط محدود الفاعلية حيث أنّه بمجرد التمتع بالية إسترجاع الحقوق يسترجع المحكوم عليه حقوقه السياسية. كما نذكر أنّ القانون لا يتعرّض إلى الأشخاص محلّ التتبّع، والتي نُشرت في حقهم دعاوى جزائية أمام القضاء. فهؤلاء يتحصنون بقرينة البراءة وهو مبدأ دستوري، لكن غالبا ما يكون الترشح للمجالس النيابية هو في الحقيقة بحث عن الحصانة لا أكثر، مما يجعلنا أمام حتمية التوفيق بين قرينة البراءة لدى المتهم وضرورة حماية مؤسسات الدولة من الأشخاص المشبوهين والذين قد يمثلون خطرا عليه.
- أن يكون المترشح قد أتم إلتزاماته الضريبية بما فيها الأداء البلدي، وهو إضافة مهمة تعزّز روح المواطنة لدى النائب، لكن عدم نجاعة أجهزة الرقابة وتفشي الفساد في هذه المنظومة يجعله شرطا غير فعّال، بحكم أنّ أساليب التهرب الضريبي متعددة، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي لم تتفاعل معه الدولة لمراقبته وتطويره لفائدة منظومة الرقابة الجبائية. هذا ولم يتحدث النص عن "الصلح الجزائي" الذي إعتبره العديد غير دستوري والذي "يبيض الفاسدين"، وهنا نصبح أمام "شرعنة" لترشحهم، إذ كان على المرسوم التعرض لهذه المسألة لقطع الطريق أمام الفاسدين من التحصن بالحصانة البرلمانية، خاصة وأنه قانون يشمل من نهبوا أموال الشعب وبمقتضاه فإنّ دفع جزء من هذه الأموال يدخل ضمن الصلح الجزائي. وفي هذا الإطار، ومن خلال نية واضحة لتطهير المشهد السياسي لم يتعرض المرسوم لظاهرة التهريب والسوق الموازية، ربما سهوا أو لصعوبة تأطيرها وحصرها في القانون الإنتخابي. كما لم يتعرض للأشخاص الذين تتخلد بذمتهم ضرائب لسنوات والذين قاموا بالدفع في سنة الإنتخابات فقط لغاية الترشح، إذ لم يقم بالدفع سنويا كمواطن صالح. هذا وتثير مسألة إبراء الذمة من الأداء البلدي مسألة التحصل على هذه الوثيقة، حيث لا تمنح إلا لمن يملك نشاطا إقتصاديّا أو عقارا بالدائرة البلدية. فكان من الأجدر التنصيص عن الحالة المعاكسة على الأقل بـ"تصريح على الشرف" بعدم إمتلاك عقار أو نشاط اقتصادي.
سحب الوكالة:
هذا الإجراء، بحسب الأستاذ "كمال بن مسعود" سيجعل النائب يعمل تحت الضغط، ففي أي لحظة (ما عدا السنة الأولى لإنتخابه والـ 6 أشهر الأخيرة من نيابته) يمكن للنائب أن يجد نفسه أمام سحب للوكالة، إضافة إلى ذلك يمكن أن يكون الأشخاص الذين سيقدمون العريضة ليسوا ممن قاموا بإنتخابه عملا بمبدأ سرية التصويت. وللتوضيح أكثر يمكن لحزب لم يرضى بنتائج التصويت أن يجمع أنصاره في عريضة لسحب الوكالة لإعادة الإنتخابات لصالحه. كما أنّ هذا التنصيص سيعزز ُويشجع على الفساد لأنّ القانون الإنتخابي زاد من اللحظات والمحطات التي يمكن أن يلعب فيها الفساد دورا كبيرا وهي: التزكيات، الحملة الإنتخابية، سحب الوكالة والتصويت على سحب الوكالة. وأضاف أنّ "إنهاء المهام ذات الصبغة السياسية يكون عن طريق الإنتخابات"، فعلى من يرغب في التغيير ينتظر اللحظة الإنتخابية ليحاسب نوابه إمّا بالتصويت لهم مجددا أو إختيار مرشح اخر لتغييرهم. هذا القانون الإنتخابي سيقضي على الأحزاب الصغيرة و سيُمكّن الأحزاب الكبيرة من السيطرة على دواليب الحكم8
.
وتطرح مسألة سحب الوكالة فراغا تشريعيا متمثلا في النواب الذين نجحوا في الإنتخابات لغياب المنافس (أي ترشح لوحده في دائرته الإنتخابية وإنتصر وأصبح نائبا بحكم غياب مرشحين اخرين)، كيف سيتمّ تعداد "عشر الناخبين" هنا في حالة تقديم عريضة لسحب الوكالة ؟ ونحن أمام هذه الحالة اليوم بحكم أنّ 10 دوائر إنتخابية أُعلن فيها تواجد مرشح وحيد. وأضاف المرسوم جملة من الضمانات للنائب، في حالة تقديم عريضة سحب الوكالة في اطار ترشيدها، إذ لا يمكن تقديمها إلا مرّة واحدة خلال الدورة النيابية) هو ما يجعلنا نتساءل، هل أن النائب سيقصّر في أداء واجباته مرة واحدة فقط في ال5 سنوات ؟ وماذا لو قُدمت هذه العريضة ولم تحظى بالقبول، ففي هذه الحالة يصبح النائب محصنا تماما من أيّ مساءلة طيلة بقية الفترة النيابية، وما قد يؤثر ذلك في تعامله فيما بعد مع دائرته الإنتخابية "التي رغبت في سحب الوكالة منه" و مع متساكنيها. هذا ويمكن للنائب الطعن في العريضة لدى القضاء الإداري "و يعني هذا أنّ القاضي الإداري سيقوم بمراقبة عمل النائب وتقييم إذا كان يقوم بواجباته وتحقيق برنامجه الإنتخابي، وهو أمر ليس بديهيا بالنسبة للقاضي الإداري الذي ينظر عادة في مسائل قانونية لا مسائل سياسية. كما أنّه من المفترض ألّا يتدخل في عمل النواب من باب إحترام مبدأ الفصل بين السلط .فضلا عن ذلك، توجد إمكانية لخروج بعض المسائل المضمنة بالعريضة عن إختصاص القاضي الإداري من قبيل النظر في مدى الوفاء بتنفيذ وعود إقتصادية أو إخلال بالنزاهة من خلال إرتكاب جرائم مالية، تجرنا إلى التساؤل عن قدرة القاضي الإداري في البت في مثل هذه الملفات" . وهذه الاليّة، حتى وإن كانت ناجعة فهي لا تعكس الوعي الشعبي والوعي السياسي للناخب، حيث بينت التجارب السابقة تقلبا شديدا في المزاج الإنتخابي للناخبين ومدى الرضاء على السياسيين، ويظهر ذلك في سبر الاراء أو نتائج الانتخابات.
حالة الإستثناء على ضوء المرسوم:
أخفى المرسوم في طياته أحكاما خطيرة للغاية لم يتعرض إليها أغلب النقاد، ولعل كل الأحكام السابقة وُضعت لشغل الرأي العام عن وضع حالة الإستثناء صُلب القانون الإنتخابي، بمقتضى هذه الحالة يمكن تأجيل الإنتخابات الرئاسية أو التشريعية والتمديد في المدة النيابية. ونظرا لغياب مفهوم واضح لـ"الخطر الداهم"، حتى داخل مداولات المجلس الوطني التأسيسي في 2011، تمّ التنصيص مجدّدا على أنه سبب موجب لإعلان حالة الإستثناء. وكالعادة فإنّ المؤوّل هو الرئيس، بصفته حامي الدستور، ويمكن له التوسع في التأويل، مقارنة بتجربة 25 جويلية 2021 لإعلانها بغاية تأجيل الإنتخابات. وحتى إن عُهد الأمر للمحكمة الدستورية، لن يختلف كثيرا عن موقف الرئيس التي تستمد مشروعيتها منه فهو من سيعينها وبالتالي سيكون هنالك سلطة معنوية بالتعيين، على الأقل، على أعضائها.
وأضاف الفصل 104 (جديد) أنّ التمديد في المدة النيابية للرئيس أو المجلس يتولاه المجلس بقانون، أيّ مجلس ؟ المجلس النيابي لسنة 2023-2028 الذي سيضم مستقلين في أغلبهم موالون للرئيس والمنتخبون تحت رقابة هيئة إنتخابات عيّنها الرئيس وشكّك الجميع في حيادها. كما أن البرلمان لن يعارض الرئيس في هذه المسألة، بحكم أنّ واضع هذا الفصل خارق الذكاء، لأنه يُمكن للمجلس أن يستفاد من هذا التمديد بالإستفادة بمدة إضافية للحصانة ولإمتيازات النواب، دون أن ينص الفصل على مدة قصوى لهذا التمديد. وهي سابقة تفوق خطورة الفصل 80 من الدستور. فضلا عن ذلك، تتم الدعوة للإنتخابات بعد التأجيل بأمر بعد استشارة الهيئة، أي أمر يصدره رئيس الجمهورية عندما يرى أنّ الخطر الداهم قد إنتهى وبإستشارة هيئة معينة من طرفه، أي في نهاية المطاف سيقرر الرئيس موعد الإنتخابات. وهنا سنتساءل، ماذا لو إقتربت الإنتخابات وشعر الرئيس من سبر الآراء ونبض الشارع أنه سينهزم ؟ قطعا سيطبق هذا الفصل إلى حين إستعداده جيدا للعرس الإنتخابي لقلب موازين اللعبة، وهو ما سيؤثر على الديمقراطية بطريقة جلية... وماذا لو شعرت الأغلبية البرلمانية أنها ستنهزم في الإنتخابات ؟ ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى فساد سياسي بالبحث عن توافقات مع الرئيس نحو تأجيل الإنتخابات بمقابل، حتى لو كان مقابل سياسي ؟ وماذا لو شعرت "اللوبيات" والفاسدون بإمكانية صعود تيارات معادية لهم، ألا يمكن أن يؤدي ذلك لعدم استقرار بالبلاد، من اغتياالت و اضرابات و عمليات ممولة، حتى يتوفر الخطر الداهم لتأجيل الإنتخابات ؟ كل هذه تساؤلات على الرئيس وعلى المجلس القادم الإجابة عنها حتى تتفادى تونس عدم الإستقرار السياسي و الفوضى.
الخاتمة
إنّ الوضع الإقتصادي و الإجتماعي في تونس لم يعد يحتمل التناحر والفرقة السياسية، وفي نظرنا أنّ القانون الإنتخابي بهذه الشاكلة سيعيدنا لنفس المربع الذي هربنا منه في 25 جويلية، إذ واهم من يعتقد أنّ البرلمان القادم سيعمل لفائدة الشعب أو الدفاع عن مصالحه، بل سيكون "تمثيلية" للشعب تُصادق على قرارات الرئيس وتمنحه المشروعية الشعبية في مختلف قراراته لتطبيق إمالاءات الدوائر الخارجية ولمزيد من تهميش الفئات المفقرة، بل سيكون برلمانا شعبويا بإمتياز تُساق فيه الخطابات الشعبوية لمواصلة الخط الذي إنطلق فيه الرئيس لا غير والذي تبيّن اليوم أنه لا مصلحة للشعب فيه. فالوضع الإقتصادي والمقدرة الشرائية تنحدر يوما تلو الاخر والسلطة السياسية غير مبالية وهدفها فقط الاستثمار في فقر الشعب وحاجته وبصيص أمله للهيمنة على السلطة. إنّ القانون الإنتخابي الحالي يعكس مسارا أحاديا إنطلق فيه الرئيس بوضع دستور على المقاس، واليوم قانونا إنتخابيا ينفرد فيه بالسباق ويعزل عن طريقه خصومه، بل ويقصيهم من المشهد السياسي بمساعدة هيئة إنتخابات أغلبها من أنصاره وممن قادوا حملته الإنتخابية.
هذه النسخة من القانون الإنتخابي هي الأسوء في تاريخ تونس وتُضاهي سوء النظام الإنتخابي في عهد "بن علي" الذي ينافس فيه نفسه وينافس فيه التجمع الدستوري - التجمع الدستوري، بل وأخطر لأنّ أنصار الرئيس لا نعرف لهم طريقا ولا نعرفهم، إذ قام الرئيس بحملته الإنتخابية بنظرية "الذئاب المنفردة"، وحتى نظرية "الشعب يريد" لا نجد لها لا قائدا ولا مُشيرا ولا مُدبرا، بل وأشبهها بالميليشيات، بحكم عدم هيكلتها وهي طريقة إعتمدتها أغلب الأنظمة الديكتاتورية (ميليشيات البعث العراقي في عهد صدام حسين، مرتزقة القذافي، ميليشيات الحرس الثوري في ايران و غيرهم). وأعتقد أنّ الرئيس التونسي قد يكون متأثرا بهذه الجماعات، وتبيّن ذلك في دعوته لجماعة "البوليساريو" في القمة الأخيرة في تونس. كما أنّ القانون الإنتخابي لم يعر إهتماما لمختلف الشرائح الإجتماعية: النساء، الشباب، ذوي الإعاقة، وحتى حقوق الأقليات الجنسية، بل لم يضع حتى حد أدنى لإحترام هذه الفئات ضمن شروط الترشح وشروط الحملة الإنتخابية وشروط الخطاب السياسي. ختاما، لا يمكن إلّا أن نتمنى أن يكون تقييمنا خاطئ وأن يكون الرئيس على حق لأننا لا نتمنى لتونس إلا النجاح والمضي قدما نحو تطور اقتصادي ونهضة تعليمية وإجتماعية كبرى تقطع مع عشرات السنوات من الفشل وتمهّد لتونس جديدة ديمقراطية تعددية تقبل الإختالف وتسعى للتطور.
1- Tous les arts ont produit des merveilles, l’art de gouverner n’a produit que des monstres.
2- الصغير الزكراوي، تصريح على إذاعة شمس فم، 9 نوفمبر 2022.
3- كمال بن مسعود، تصريح على إذاعة إي فم، 16 سبتمبر 2022.
4- Frédéric Bobin, « En Tunisie, le président Kais Saied instaure une nouvelle loi électorale marginalisant les partis politiques », le Monde Afrique, 16 septembre 2022.
5- تصريحات على إذاعة إي فم، 14 نوفمبر 2022.
6- هدى الطرابلسي، أندبندنت عربية، 26 سبتمبر 2021.
7- دراسة الديناميكية النسوية، المرسوم عدد 55، رجوع عن مكتسبات حقوق النساء ومساس بمبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات، أصوات نساء، أكتوبر 2022، ص14.
8- Cette idée d’une «révocabilité » des mandats électifs est un concept fétiche chez Kais Saied, adepte d’une « démocratie par la base » tenue pour une remède au dévoiement du suffrage universel par des élus qu’il juge irresponsable.