لا بديل واحداً لسماحة السيّد حسن عبد الكريم نصر الله، تشي غيفارنا السرمدي. لكنّ البدائل متى اتّحدت تخلق حالةً ليس بإمكان شخصٍ واحدٍ إشغالها. كان يحبّ السيّد الإطالة في الكلام قبل إيصال الفكرة الأساس.
الإطالة في الشرح كلّ مرّة هي أساسٌ في بناء الوعي لدى الجيل الذي يمهّد طريق القدس. كم كنّا نتمنّى أن يؤمّ الصلاة بنا، نحن من لم يصلّوا يوماً، حفيد النبيّ الأسطوريّ في الجامع الأقصى. لكن سنصلّي في القدس، آمنّا أو لم نؤمن بأيٍّ من أديان القدس. فالإيمان بالقدس وتحريرها دينٌ بحدّ ذاته.
اليوم، وبعدما سلّم السيّد حسن الأمانة، هناك كثيرون «عم يشيلوا كتف ». كثرٌ متعدّدو اللغات والمذاهب والأديان. هذه حالة تركة الثوّار الأمميّين. لكلّ حسنٍ حسنان وثلاثة وأربعة ومئة. هناك من ينظّر بأنّ القادة لا يستبدلون بسهولة، ولا يمكن استبدال قامة جبّارة مثل القامة الجبّارة التي رحلت. سألت الوالد عن أجواء النكسة عام 1967، وقال لي النكسة هي من أسمتك جمال، وأسمت الملايين باسم الخالد الأوّل. الخالد الثاني في جيلنا سوف يلهم ملايين أُخر، لكن لنركّز على حسنين منهما.
الحسن الأول هو يحيى أبو إبراهيم السنوار في غزة فلسطين. لا هزيمة لمقاومة يقودها يحيى السنوار كما أنه لا هزيمة لمقاومة قادها السيد حسن نصر الله. النصر حتمي رغم النكسات. رمزية القائد مهمة جدّاً في المواجهة، لكنّها في الأخير رمزيّة.
لم يحمل السيد حسن نصر الله صاروخاً منذ عقود عدّة، ربما في عشرينيّاته تعاون مع بعض رفاقه لرفع صاروخ كاتيوشا عن الأرض، لكن حتماً البأس الآتي من المقاومة لا جهد جسدياً فيه من القائد الجهاديّ الكبير الكبير جدّاً. رحل السيد حسن كما كان متوقعاً. هل كان يتوقّع أحدٌ مصيراً مغايراً لمن كرّس عمره لإزالة الكيان السرطانيّ من الوجود؟ أربعة عقود ونيّف من تقصير عمر الكيان الاستعماريّ ليست فقط إنجازاً، بل أسطورة. من شبه المستحيل أن تبرز أسطورة أخرى في جيلنا بحجم الثائر الأممي حسن نصر الله، لكن الأكيد أنّ القليل من نصر الله نثر على جيلٍ، بل أجيالٍ، من الثوار في سبيل فلسطين.
الحسن الثاني هو عبد الملك بدر الدين الحوثي. هو أحسن الحسنين. إن كان تحرير فلسطين سيكون على يدَي السنوار الجبّار، فتحرير الجزيرة العربية، وربما مصر العرب أيضاً، من استعمار الأمريك سيكون على يد ذاك الشاب اليمنيّ وخنجره. اليمن الذي طالما أرعب وكلاء الاستعمار أبناء سلالات العملاء، من جنوبه أيّام عبد الناصر، وشماله اليوم، سوف يكون رأس الحربة الصراع التحرّري بلا منازع. الحوثي طليق اللسان، السنوار طليق الرصاص، الاثنان حسنان من آلاف.
يقف هذان القائدان الحسنان على أرضية لم يكن ليحلم بها الأسطورة الثورية الأممية سماحة السيّد حسن نصر الله يوم انطلق ورفاقه بثورته. انطلق من الكرنتينا ناجياً من مذبحةٍ. «الإسرائيلي» كان محتلّاً لبيروت ومحاصراً لكلّ من كان يحمل السلاح يومها. «الإسرائيلي» اليوم بعيدٌ عن بيروت إلّا بقنابل الأميركيين المرميّة من الجوّ.
«الإسرائيلي» والأميركي لن يصلا إلى بيروت، بل لن يصلا إلى بنت جبيل. هذا من فضل رجالٍ ونساءٍ سمعوا بشغفٍ إطالة الشرح من السيد حسن. الفكرة وصلت، ولن ينتزعها أحدٌ من آلاف الأدمغة التي رسخت فيها. إنّها الثورة التي أطلقها الثائر الأممي، إنّها الثورة التي انطلقت بألسنة عدّة. لكلّ حسن حسنان هو أقلّ تقدير. هم آلافٌ وليسوا اثنين.