نستنتج من هذا التحليل تأكد فرضيّة الانطلاق القائلة بأنّ عطوبة الحقل الديني ناجمة عن فجوة بين الطلب التديّني المجتمعي وما يقابله من عرض تديّني رسمي.
وبالنظر إلى المؤشرات الّتي تقدّمها المعطيات المجمّعة، فإننا لا نرصد بوادر تجاوز الحقل الديني لهذه الحالة من العطوبة المزمنة. بل نرصد عكس ذلك لاعتبار موضوعيّ يتعلّق بالكلفة الماديّة لاعادة تأهيل مجالات الحقل الديني ومؤسساته الرسميّة حتى تكون عروضها قادرة على المنافسة في سوق الخيرات التديّنيّة، مقارنة بالمزانيات العموميّة الّتي ترصد لوزارة الشؤون الدينيّة.
وبالنظر لتشتت إدارة الفضاء الديني بين عدد من المؤسسات الرسميّة الّتي لا تحتكم إلى رؤية موحّدة. فعلى سبيل المثال يتبع المعهد الأعلى للشريعة وزارة الشؤون الدينيّة. في حين يتبع كل من المعهد العالي لأصول الدين، والمعهد العالي للحضارة، وزارة التعليم العالي. أمّا عن المعهد العالي للخطابة والإرشاد الديني بالقيروان، الذي أنجز حديثًا والّذي حظي بإشراف مزدوج بين الوزارتين، تعثرت انطلاقته ولم يقدّم شيئًا يذكر إلى الآن.
وهذا الوضع من شأنه إعادة إنتاج مناطق فراغ واسعة ضمن مجالات الحقل الديني تنتج سوقًا موازيّة للخيرات الدينيّة، وتعبيرات تدينيّة يسهل عليها احتلال مجالات الفراغ. ومن الممكن أن تكون هذه التعبيرات مهددة للسلم الأهلي أو مؤدية لحالات احترابيّة.
يقابل هذا السيناريو في المستوى الاستشرافي، سيناريو آخر يبنى على إمكانيّة ظهور تعبيرة تدينيّة جديدة، لها القدرة على المنافسة ضمن ”سوق الخيرات التديّنيّة“، وعلى تعبئة مناطق الفراغ الّتي يعجز التديّن الرسمي على تعبئتها. وعلى تحصينها من ”الظواهر المعتلّة“.
وهو ما يجعل ”التديّن الرسمي“ أمام حتميّة إستراتيجيّة في التعامل مع هذه التعبيرات -ان وجدت- غير التابعة له وغير المتعارضة معه، ضمن السقف الدستوري المؤسس لإدارة التنوّع.
من تدبير الحقل الديني في تونس بين الواقع الاجتماعي والبناء الاستراتيجي.