الوجه الآخر لدولة الحداثة…

Photo

لم نكن يوما -رغم كل ما قُرع من طبول- دولة مصنِّعة ولم نحتفظ بعباقرتنا الذين هاجروا إلى آفاق أوسع لأن قلب الوطن مشغول عنهم بتأليه غيرهم وعشقه،ولم تكن ثقافة العقول من أولويّاتنا ،ولم تُوَزّع مشاريع التنمية بعدل بين مختلف مناطق البلد فتكدّست عند أقليّة محسوبة ولعق البقيّة أصابعهم تشهّيا وكثر بينهم المرتزقة والأفّاقون وبائعي ذممهم …

كنا فقط دولة الشّو( show)...تعلّمنا فنّ إخفاء الحقيقة وما لفّها من عطن وراء وجوه المذيعات الفاتنات والإعلاميّين المتأنّقين وهم يختارون لِوَعيِنا ما يجب أن يرسخ فيه من صور في قناة يتيمة عن تونس الجميلة،تونس الحداثة،تونس التعليم والصحّة والعافية والشّمس المشرقة التي تغري حاكمها بتعليمنا أصول السباحة حتّى في نشرة الأخبار…

أضحك مرارة أمام ما يتداوله المُغيّبون عن تونس الأمس وهم يتحسّرون لأنهم فقط رأوا ما سجّل التاريخ الأسير بأيدي زمرة من مؤرّخي البلاط...وحدهم من حُرموا من التّعليم أو من تشبّثوا بتلابيبه تحت سياط الفقر عرفوا وجع الوطن،وحدهم من حُرموا من التّداوي مجانا في المستشفيات لأنّ المسؤولين لم يكونوا راضين عن تقصيرهم في فنّ التلحيس لوليّ الأمر وزمرته خَبِروا طعم المرارة ،

وحدهم من ذهب نصيبهم من العيش الكريم لتفريخ مقرّات الشُّعب في كل شبر من الجمهورية ولأجور الصبّابة والمطبّلين نفرتهم الكاميرات ،وحدهم من قايضوهم على حب الوطن فما لانت عزائمهم غابوا عن الصّور و ما ظهروا فيها الا قتلى او مساجين أو مقهورين أو مهمّشين ،وحدهم أصحاب الذّاكرة القويّة حفظوا المشاهد كاملة،فإن رمتم حقيقة ماجرى فٱسألوهم …

اسألوا سكان الأرياف والمدن البعيدة عن ترف السّيادة سيخبروكم كيف عانوا الأسى في بلد الحداثة وكيف واجهوا «الحڨرة» في عيون المحظوظين أو من توهّموا وصدّقوا أنّهم محظوظون،اسألوا النّساء في تلك الربوع المنسيّة كيف ماتت شبيهات لهنّ أثناء الولادة ثمّ كيف وضعن هنّ بين مخالب الموت مواليدهنّ لأن السّبل إلى الحياة منقطعة وكيف صارعن لتبقى جذوة الأمل متّقدة في عيون أطفالهنّ ،ستدركون حتما كيف تغوّل الفساد في رحم الظّلم وكيف هوى البنيان لأنه أُقِيم على البهتان و ستصلون بالضرورة إلى الإجابة عن سؤال كيف تجرف السّيول البراءة في بلد الحداثة وكل ذنبها أنها كانت في طريقها إلى المدرسة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات