كان لديّ اقتناع عميق بأنّه لن يحصل التّوافق بين حركة النهضة وحركة الشّعب.. ولكن كان ينتابني إحساس -وليست قناعة - بانّ التقاء ظرفيّا ممكن اعتبارا لنتائج إرادة الشعب ومراعاة لمصلحة وطنيّة، اي بالمعنى المايكيافلي الغاية تبرّر الوسيلة...والغاية هنا مجتمعيّة وطنيّة وليست حزبية ضيّقة....
استحالة التقارب والتوافق لها أسبابها.. وهي ليست مفاجئة، وأكاد أجزم أن لا علاقة لها بالشأن الوطني المحلّي، ولا علاقة لها بالحديث عن مفاهيم: السيادة الوطنية والفساد والتمكين والخلافة والتغوّل.... فأيّ معنى لسيادة دولة في حجم تونس، وغير تونس، في عالم تحكمه القوى العظمى وتتحكّم فيه مباشرة وغير مباشرة...؟
دول أمريكا الجنوبية ذات التوجّه الاشتراكي والسيادي تُدفع إلى التخلّي عن رؤسائها الشرعيين فيطلبون اللجوء السياسي(بوليفيا).... إيران امّة موحّدة وقوّة نووية ونفطية وغازية تحاصرها أمريكا لأكثر من أربعة عقود...!
امّا عن شعار الفساد فهو ايضا يبدو متهافتا…الفساد ممارسة ملازمة للسلوك البشري…ولذلك اقتضى منطق الاجتماع البشري إنتاج القانون والدولة…غير انّ القضاء عليه يتطلّب إرادة توعويّة تثقيفية مواطنية وليس حقيبة وزارية! مقاومة الفساد مشروع مجتمعي وتربوي وسياسي وليس محكوما بالمحاصصة الحزبية الظرفية.. هي مسار طويل قد يكون الكثير ممّن يتزعّمون الحديث عن محاربته معنيّين به قبل غيرهم…!!
قلت قناعتي عميقة بانّ التقاء الإسلاميين والقوميين في تونس لن يحدث سريعا…وهو ليس موصولا بالشأن الوطني والمحلّي. وإنّما هو صراع الولاءات الخارجية القديمة…جوهره إيديولوجي سياسي (الاخوان/ عبد الناصر) …وليس اجتماعيا ثقافيا واقتصاديا…!
ولذلك حدث ما حدث في برلمان تونس 2019…وسيحدث في غيره من المحطات والمواعيد السياسية….
السياسيون في تونس بدون استثناء يحتاجون إلى تأهيل شامل وإلى " فورمتاج " formatage يجدّد ميكانيزمات التفكير لديهم ويطوّر آليات الاشتغال العملي والنّاجع على الواقع المتحركّ والمتجدّد……!