تحي الزعيم و تطوف حول الصنم و تلتقط سيلفي و تنشره ثم تحصد الاعجاب. نعم رونق خاص مع الاصنام و الحداثة تؤثث المشهد و الرايات تزين الشارع و المقاهي جميلة كجمال بنات سيدي بوسعيد و رائحة الياسمين في بلد الياسمين و الثورة البريئة و الديمقراطية الخلابة…
سأغادر العاصمة هذا المساء و اقبّل الاصنام ثم أعرّج على بوبراد لأستحم ببصاقه و أطهّر نفسي من الاثام. في الطريق و انت تمتطي سيارة اجرة كأنها غرفة حمام ينتابك شعور بالتدين لهول المشهد، هذه القرى النائية المبعثرة على الطريق و كأنها نهاية العالم، وجوه اهلها موشحة بالسواد لفرط انتظارهم فالمطر !
هذا العام قحط و جفاف حتى امطار الموسم الماضي حملتها الاودية الى هناك على شواطئ زهرة ادريس حيث الاوراك تٌدلّك في الصالونات ، الناس هناك يتبرزجون صيفا و يتدفئون شتاءً اما هنا فالشهيلي يقلي الاجساد صيفا و شتاء ، الوجوه كالحة و كئيبة ككئابة هذا المشهد…و السيارة تدعس الاسفلت بكل قسوة و الكئابة لا تنتهي و الشمس لا ترحم هذه ارض الوضاعة و الشيئ الذي لا اقوله احترما للقارئ .الخالة ميمونة تربط حذاءها الازيكس (asics ) و تقتلع البطاطا و تمسح العرق في سواني سيدي بوزيد و النائب الموقر يحتفي بكأس الشمبانيا في حانات باريس و الاخر يعدل ربطة العنق و يمسح حذاءه امام سفارة فرنسا تحت انظار ابن خلدون الذي فرّ بجلده خوفا من البذاءة …
ربما لم يوصّف السيد شكسبير هذا المشهد او لم يأتي لمخياله لكنها حقيقة البروليتاريا الرثة تلبس الازيكس في سانية البطاطا التي سوف تتحول ل فريت و شيبس هناك اثناء الليالي الحمراء حيث كيس الشيبس بثلاث دنانير لا يساوي كعبة بطاطا يا حاجة ميمونة… ما بال هذه المفارقة تجثم على هذا المشهد و ما بالي انا اكتب و القريحة لا تتوقف…
ساخنق روحها و اولع سيجارة تذهب غيظ من فيض …سكت المذياع و انطلق الغناء السافل …منذ ان غادرت هذه الارض و المزود لا يفارقها، يا الاهي هذه الشكوة المسلوخة من جلد الماعز تطرب السامعين و تنسيهم احزانهم … يا لهول المشهد ،البذاءة و السقوط و الاصنام و المزود و الزوايا تعيد نفسها في سيارات الاجرة… و تحملني الذكريات الى الجبانة هناك حيث يرقد اهالي العالم الاخر نعم الميتون و الواقفون الساجدون المتربصون الناجحين الموقرين المرتقين الحالمين الطامحين الذين سافرو و انتابهم شعور الاسى و الحنين…
هذه الالغاز و الالفاظ لن يفهمها الا من اشرأبت اعناقهم ذات ليل كئيب تحت وطأة الزمن الغابر و سافرت عقولهم بعيدا بعيدا … في القرية الاله لا يعبد هنا …الكفر البواح و الرسالة لم تخلد و القرأن لا يقرأ إلا فالمقابر و الاخلاق المحمدية سقطت على مداخل القرية … نعم القلوب صماء و الصدور تمتلأ بالحزن ، لا منفس الا الحنجرة تجود بالغناء…
الغيظ الكبير يملأ صدور الرجال و الشموخ البدوي يرفع روؤسهم….و صدر الاسلام اندثر و الفقر و الشهيلي لم يفتك بهم…احباء الفقر و الخمر و الجود ر الكرم و الكفر و عبادة الاصنام يعيشون رغم الوضاعة لا يهم في اي قرن هم الان ربما مازالو هناك و غرناطة لم تسقط بعد. انها رحلة في المكان و الزمان…الجغرافيا الموحشة و الطقس القاحط و التاريخ الحافل باوهام النصر..
صدام حسين المجيد لم يغادر عقولهم و جمال عبد الناصر جعلوه اسم ابناءهم و محمد لا وجود له اصلا…
انه الزمن الاخر يا حبيبي الاخلاق لا تستوي هنا و تسقط كل معادلات الفيزياء و الفكر الحر …و بعد هذا الترحال بقينا نسأل ما بال قهوتنا مرة كمرارة هذا المشهد!!