ما الذي يتبقى من المبدع إن مات ضميره؟ ما الذي يميزه عن الجلاد الذي يلتذ بألم مجلوديه؟ كيف لشاعر أن يكتب قصيدة وفي قلبه ذرة من التشفي؟
ليس الإبداع صنعة نتقنها فننتج نصوصا تبدو من حيث الظاهر وكأنها قصائد. الإبداع موقف إنساني بالدرجة الأولى، انحياز للإنسان. ضمير حيّ لا تضلله الأيديولوجيات والعقائد.
فجيعتنا بمبدعينا كبيرة في هذا الزمن العصيب الكاشف، فكيف استقامت لدى بعض من كنا نحسن الظن بهم معادلة تأييد الجلاد واتهام الضحية؟ كيف ارتاحت ضمائرهم وهم يصفقون للصواريخ وهي تقصف البيوت؟ أين سيخفون وجوههم من نتنياهو وهو ينظر إليهم هازئا؟
ألم يتعظوا من التاريح القريب، من تجربة هتلر المدمرة، وكيف أن السنوات لم تبيّض صفحة مثقف أو مبدع واحد صمت، مجرّد صمت على جرائم الإبادة؟ فكيف إن كان الأمر قد وصل إلى التغزل بالقاتل وطائراته وصواريخه؟
أحدهم كتب قبل أيام أن المبدعين الواقفين ضد نهج المقاومة والممانعة، حفنة صغيرة ضالة، كائلا التهم بالمجان للربيع العربي، الذي تديره، كما يتوهم، هذه الدولة أو تلك.. وهو نفسه الذي كان يقف حتى وقت قريب مع جميع قضايا المضطهدين والمهمشين، وحتى المثليين جنسيا، فكيف استوى الأمر معه على هذه الصورة، وهو يرى ويسمع كل يوم عن شعب شرّد نصفه وقتل أكثر من مليون من أبنائه؟
والأغرب أن بعض هؤلاء المبدعين، الذين ماتت ضمائرهم، بدأوا بإعداد المشانق لزملائهم الذين قالوا لا للموت، لا للدكتاتور وبراميله المتفجرة، مستبقين التاريخ، ظانين أن الباطل انتصر بدخول أسلحة روسية جديدة للمعركة كفيلة بمحو أي أثر لطالب حرية.
ألم يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا لم يستطيعوا حتى الآن كتابة نص إبداعي واحد يمجد الدكتاتور، ويهجو طالبي الحرية؟ وإن حدث ذلك لماذا لا ينشروه؟ ولماذا تحولوا إلى مجرد شبيحة لا يختلفون عن أيّ شبيح مسلح يقتحم مظاهرة سلمية بالرصاص؟
والجواب بكل بساطة هو أن الإبداع والقتل نقيضان لا يلتقيان، فمن الصعب، بل من المستحيل أن يبقى المبدع مبدعا إن وقف إلى جانب الدكتاتور، لأن رفاق الدكتاتور ومؤيديه هم فقط الشبيحة ولا شيء آخر سوى الشبيحة.
التاريخ لن يرحم وسيحاسب كل من صمت أمام الجريمة، أو قال لا للحرية، مهما كانت الذرائع التي تساق لتبرير هذا الفعل الشنيع. من المحتم أن التاريخ سيلقي بقصائده وآلامه كلها في سلة المهملات، وسيقال بعد سنوات قليلة «هذا شاعر أيّد الدكتاتور الذي قتل أطفال شعبه «
تيسير خلف :كاتب من سوريا مقيم في الإمارات