المتابع لمواقف وآراء الكثير من الكتاب والكاتبات العرب من الانتفاضات العربية، يدرك جيدا طبيعة المأزق الذي وضعتهم فيه هذه الانتفاضات، والصدمة التي شكلتها بالنسبة إليهم، وجعلتهم عاجزين عن استعادة توازنهم الفكري والشخصي بعد أن فاجأتهم، ووضعتهم أمام خيارات صعبة لم يكونوا مهيئين لها، ولذلك راحوا يبحثون عن أي سبب أو حجة يتلطون خلفها لتبرير مواقفهم المعادية لها، تارة بالحديث عن المؤامرة الخارجية، وأخرى باتهامها بالأسلمة، أو على الأقل بافتقادها لقيادة تمتلك مشروعا سياسيا واضحا للانتقال إلى دولة العدالة والحرية.
لا أعتقد أن هؤلاء الكتاب والمثقفين يجهلون الأسباب الحقيقية خلف انفجار الغضب الشعبي ضد أنظمة عاثت في البلاد فسادا واستبدادا حتى حولت أوطانها إلى مزارع خاصة بها وبمن سبح بحمدها، وأنها هي من توهمت أنها من خلال امتلاكها للبلاد والعباد قادرة على تكريس أبدية سلطتها وتحكمها بمسار التاريخ والواقع. ولم يكن البعض من هؤلاء الكتاب خارج هذا التصور الذي جعلهم يرتبون مصالحهم ومواقفهم وفقا لهذا الواقع.
وعلى العكس من هؤلاء فإن فئة ليست قليلة من كتاب اليسار الذين لم يخرجوا بعد من عصور النظريات التي دال زمانها، لم يسألوا أنفسهم من المسؤول عن التراجع المخيف لحضور اليسار على الساحة السياسية والشعبية، ما فسح المجال واسعا أمام صعود قوى الإسلام السياسي، وقبل كل هذا هل الانتفاضات العربية هي من جاءت بهذا الفكر فجأة، وجعلت رموزه يتصدرون المشهد، أم أن ممارساته وتحالفاته مع أنظمة الاستبداد، وفشله في التعبير عن مصالح الجماهير، هو المسؤول عن التراجع الذي استغلته هذه القوى لملء هذا الفراغ.
لذلك كان من المعيب على هذه القوى أن تلجأ إلى معاداة هذه الانتفاضات واتهامها بالعمالة والأسلمة بدلا من إعادة مراجعة سلوكها وفكرها لاكتشاف الأسباب الموضوعية، التي جعلت منها صورة تذكارية عن زمن مضى، ولا وظيفة لها إلا الدفاع عن أنظمة وسياسات لم تحرر شبرا من أرض محتلة، ولم تصن كرامة لمواطن، أو تبني دولة المواطنة، أو تتوقف عن التواطؤ والاستخذاء أمام القوى الدولية التي يتهمونها بالوقوف وراء هذه المؤامرة.
أسئلة كثيرة لم يسألها هؤلاء الكتاب لأنفسهم عن الأسباب التي تجعل الحرية تهان وتداس في هذه البلدان، التي ترفع شعارات الحرية والكرامة والمقاومة ليل نهار أكثر من غيرها، وعن الأسباب التي تجعل الثقافة أكثر تشوها ويعمها الفساد فيها أكثر من البلدان الأخرى، وأن السياسة لم تلغ والكتاب الذين قاوموها لم يطلهم الاغتيال والقمع كما حدث فيها حتى يتجرأوا على الدفاع عنها !