المغالطات الكاذبة والصارخة
لم أفاجئ بمحتوى ما كتبه السيد لطفي النجار لمهاجمتي في جريدة الشارع المغاربي بتاريخ 30 مارس 2018 مستعرضا مجموعة من المغالطات الصارخة التي احتواها مقاله وسأرد على البعض منها فقط :
المغالطة الصارخة الأولى :
ادعى أني تحصلت على معادلة للدخول إلى الجامعة التونسية ! وردي : يا أيها الجاهل : إني كنت أول تونسي، نعم أول تونسي تحصل على دكتوراه الدولة في التاريخ من جامعة أكس أو بروفنس بتاريخ 11 فيفري 1972، وقد تألفت لجنة مناقشة رسالتي من 5 علماء ومؤرخين كبار، أعتز بمعرفتهم وهم على التوالي : Robert Mantran وClaude Cahen وPierre Guiral وXavier Yacono وAndré Noushi
يا أيها الأفاك، هل أدركت الحقيقة كيف تحصلت على دكتوراه دولة بدرجة مشرف جدا ؟ ولعلمك أيضا فإن المرحوم Xavier Yacono، من أشهر الأساتذة الفرنسيين، أعد مراجعة كاملة لرسالتي الجامعية ونشرها في أول مجلة تاريخية فرنسية يومئذ Revue Historique خلال سنة 1975.
اقرأ أيها المغفل تلك المراجعة !
المغالطة الثانية :
أما ملف نص معادلة شهادتي من طرف المرحوم محمد اليعلاوي، رحمه الله. فقد اتهمه مثل هؤلاء التافهين البؤساء ! ولم يكن محمد اليعلاوي من قريب أو من بعيد معني بهذه المعادلة !
المغالطة الثالثة :
أن المرحوم محمد مزالي هو الذي لعب دورا مباشرا في انتدابي كأستاذ مساعد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة التونسية.
أولا بالإضافة إلى حصولي على دكتوراه الدولة، قمت بنشر كتابين صدرا في منشورات كلية الآداب بعد رحيل الفرنسيين وهما المؤلفان الأولان لتونسي خلال سنة 1970 في تلك المنشورات أحدهما باللغة الفرنسية والثانية هي عبارة عن رسالة دكتوراه قمت بترجمتها من التركية بعنوان : السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر للأستاذ أرخمنت كوران.
ولقد قابلت يومئذ المرحوم محمد مزالي وأهديته نسخة من رسالتي الجامعية وشرحت له المسار الأكاديمي الذي أتبعه بتعلمي اللغتين التركية والأنقليزية وعثوري على مئات بل آلاف الوثائق الجديدة من أرشيفات استانبول وبريطانيا وهي التي كانت وراء إعدادي لرسالتي الجامعية، وقد نوه أستاذي الجليل المرحوم Robert Mantran برسالتي الجامعية وهو أول المتخصصين في الدراسات العثمانية في العالم.
وعندما عرض على وزير التربية يومئذ محمد مزالي ملف انتدابي وأنا الحائز الوحيد من ضمن المترشحين على دكتوراه دولة من فرنسا، في حين أن عددا آخر من المترشحين لديهم فقط إجازات وهم من بارك وشجع على ترشيحهم عميد الكلية المرحوم عبد القادر المهيري، وقرر محمد مزالي مبدأ انتدابي من منظور الأمانة والشفافية !
ثم ألا تخجل حضرة السيد بإثبات مثل هذه المغالطة البائسة ؟
المغالطة الرابعة :
أن محمد مزالي منحني أرضا بزغوان بالدينار الرمزي، وهذا يذكرني بالسيد منصر الرويسي مستشار بن علي عندما هاتفني وهو أحد المتواطئين مع بن علي، رغم مكانته الجامعية، والسبب هو موقفه مني إذ قمت بالاتصال بالمرحوم يوسف الرويسي خاله الذي أهداني هو والمرحومة حرمه آمال الرويسي مجموعة من وثائقه الشخصية وكتبت كتابا ذكرت فيه كل مآثر هذه الشخصية، وهذا إلى درجة أن المرحوم الباهي الأدغم، كان متأثرا جدا بقراءة كتابي وعبّر عن ذلك لأهمية المعلومات التي ضمها كتابي عن أنشطة مكتب المغرب العربي بدمشق.
وهذا الأمر الذي لم يقم به منصر الرويسي حوله طوال حياته، وسعى جاهدا للتعتيم عن هذا الكتاب التوثيقي الأول، وحرصا من هذا السيد المستشار للإساءة إلي، قام بمهاتفتي ليسألني هل أن الأرض التي لدي هي أرض منحها لي محمد مزالي بالدينار الرمزي ؟ وقد رددت عليه بشكل قاطع أن هذه الأرض اقتنيتها بقرض من البنك الدولي وتم تسجيل هذه الأرض وقد بعثت إليه بتسجيل العقار باسمي !
المغالطة الخامسة :
اتهامي بأني بعثي بحكم دراستي ببغداد. ولعلمك أيها المغفل أني أعتز أيما اعتزاز بجامعة بغداد والتي تعرفت وتعلمت على أهم رموز المؤرخين بها، ومنهم د. عبد العزيز الدوري ود. أحمد صالح العلي رحمهما الله، وهما أبرز المؤرخين العرب على الإطلاق يومئذ بجامعة بغداد في العالم العربي، بل أني ازددت اقتناعا بدور العلم العراقي ذي الإشعاع العالمي الفريد. أما انتمائي لحزب البعث، فهذا يذكرني بما ذكره الطاهر بلخوجة قبل عدة سنوات من أني بعثي، يا لمأساة المسؤولين التافهين أمثاله!
كلمة أخيرة بخصوص هذه النقطة أيها المغفل البائس، آمل أن تفتح لك أرشيف البوليس السياسي التونسي حول تقارير السفارة التونسية ببغداد عني، وحيث كنت أحد المعارضين لنظام البعث والنظام الاستبدادي التونسي في نفس الوقت.
المغالطة السادسة :
حول ردي على 60 مؤرخا والتشنيع بموقفي والذي لا يمت للعلم بصلة كما جاء في مقال هذا المغفل !
لا أود أن أذكر بما أنجزناه للحفاظ على الذاكرة الوطنية الجريحة منذ أكثر من عشرين سنة، فقد قمنا بتسجيل 1800 ساعة بالصوت والصورة واستخرجنا 65 كتابا ضمت 320 نصا من هذه الشهادات، وتساؤلي من حقق مثل هذا الإنجاز في تونس وكنا أمناء على تأطير الحقيقة التاريخية وعدم تغييبها للعديد من الرموز الوطنية وآخرها قبل يومين حول المرحوم محمد مزالي خلال يومي 29 و30 مارس الماضي، وسجلنا 11 محاضرة جديدة و6 شهادات مباشرة من الهادي البكوش وإدريس قيقة ومصطفى منيف والشيخ راشد الغنوشي وإلياس الفخفاخ وخالد شوكت وغيرهم.
كما قمنا بمؤتمرين حول المرحومين محمد عطية والشاذلي القسطلي وحول العشرات من الأطباء الذين بنوا تونس أمثال حسونة بن عياد والذي خصصنا له قبل عدة أسابيع شهادة الحكيم الهادي بن معيز.
وأود أن أتوقف حول وثيقة الاستقلال والتي أثارت عديد الانتقادات حول تصريحي، والذي أكدت فيه أولا : أن هذه الوثيقة التي نشرتها سهام بن سدرين صحيحة ولا غبار عليها، وأننا أثرنا هذا الملف في مائدة مستديرة بتاريخ 23 أفريل 2016، وأشرف عليها كل من الأستاذ توفيق البشروش وفوزية الباشا وقيس سعيد وعبد المجيد بن عبد الله. ومع هذا سوف نخصص يوم 7 أفريل الجاري مائدة مستديرة أخرى حول هذا الملف الملغم.
إن تصريحي بأن الوثيقة صحيحة لا جدال فيه، ولكن المتابعين لمواقفي تجاه هيئة الحقيقة والكرامة، معروف، فقد نددت بغياب المؤرخ في هيئة الحقيقة والتي وظيفتها فقط جمع الشهادات وليس كتابة التاريخ، إذ جميع أفراد الهيئة غير مؤهلة علميا، وقد ناديت بأن أفضل من يؤمن هذه الرسالة هو الأستاذ فتحي ليسير، وذكرت مدى أهليته لهذا المنصب لعمق اختصاصه في تاريخ الزمن الراهن !
أما بخصوص أهليتي للمساهمة في كتاب تاريخ الزمن، فأذكر هنا أني نظمت عشرات بل مئات الندوات عن الثورة وكذا أهم مؤتمر حول التداعيات الجيوسياسية في الوطن العربي، ولعل كتابي الأخير "دفاعا عن الثورة التونسية"، والذي قام الأستاذ صدري بن إسماعيل من جامعة باريس بمراجعته، وها آنذا أوجهه إلى هؤلاء الجاحدين البؤساء للتوقف عندها ليستخلصوا العبرة والدرس.
لقد قمت بواجبي كمؤرخ وكوّنت عشرات المؤرخين الأكاديميين التونسيين والعرب وهم الذين أعتز بهم تماما وهم مفخرتي الشخصية.