حسم السَيد الرَئيس الأمر بمناسبة عيد المرأة، أنْ يُهديها مشروع قانون المساواة في الإرث وترك الباب مُواربا لمن أراد من المورَثين أنْ يُطبَق تعاليم الشَرع. وإزاء هذا الإجراء يجدر بي إبداء هذه الملاحظات التَالية꞉
-1 بالرَغم من تقدَميَة هذا الحسم فإنَه يصبَ في تدعيم القراءة السَياسيَة للنَص القرآني الَتي دشَنها معاوية و عمَقها المنصور. وأهمَ ميزة لهذه القراءة هي أنَها تُقدَم الحقَ الإلهي والطَبيعي على أنَه هديَة سياسيَة. وهي قراءة تجزيئيَة انتقائيَة وظيفيَة، تُعمَق الهوَة بين الفقه والقانون. ويبدو أنَ هذه الهوَة هي من أهمَ معوَقات تحقيق النَهضة العربيَة وأعطابها وما لم يتمَ التَضامَ بين الفقه والقانون تظلَ مدنيَة المجتمع والدَولة منعدمة.
-2 الباب الَذي تُرك مُوارب في جدار المساواة لصالح الخيار المُسمَى بالخيار الشَرعي يجعل التَضاد حادَا بين المساواة و النَص الدَيني الأصلي. والحال أنَ الامر على العكس من ذلك. والدَليل النَصي ماثل في قول الله تعالى꞉" وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ". البقرة 2 الآية 228. وكذلك قوله꞉"لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ. النَساء 4 الآية 7.
-3 الباب الَذي تُرك نصف مفتوح في خطاب الرَئيس يظلَ دليلا على الاستجابة للضَغط الفقهي الموروث. والحال أنَ هذا الخيار الشَرعي المقصود هو ما فهمته عقول بشريَة من كلام الله في القرنين السَابع والثَامن للميلاد. وهذا الفهم يُسمَى بعلم الفرائض وهو ليس بالضَرورة مطابقا لآيات الفرائض. فالنَص الدَينيَ الثَابت نصَ يُثبت يوما بعد يوم أنَه ذو محتوى متحرَك.
-4 الفتاة إذا كانت من ذوي الاحتياجات الخاصَة أو قاصرة و وقعت مساواة حظَها في التَركة بحظَ أخيها المُعافى أو المتخرَج أو صاحب الأعمال فإنَ هذه المساواة ستُمثَل عين الظَلم.
-5 لو تمَت الخِيرة بين نظام الوصيَة و نظام الإرث، لكان الأمر أكثر واقعيَة و منطقيَة، و أكثر عدلا. فالعالم بأسره على اختلاف مشاربه يوزَع ثرواته بالوصيَة لأنَ صاحب التَركة أعلم بحدودها، وأعلم بمستحقَيها.
وتلك هي الفطرة الَتي فطر الله النَاس أجمعين عليها. والنَص القرآني يفيض حرَيَة في هذا المجال حين احترم إرادة المالك وحثَه على الوصيَة، لأنَها تُحقَق العدالة الخاصَة بعائلته، وفيها يتجلَى التَراحم بين النَاس فتطال الوصيَة من حضر القسمة من الوالديْن والأقربين والضَعفاء واليتامى والمساكين وفيها تتمَ مراعاة المرضى من الأولاد إناثا وذكورا. وفي هذا الصَدد يقول تعالى في سورة النَساء 4 الآية 9 ꞉" وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا". وكلَ ذلك غائب في نظام الإرث، حيث يتساوى حيث الكبير مع حظَ الصَغير والمريض مع الصَحيح.
-6 نظام الإرث هو الاستثناء في توزيع التَركات. وهو قانون عام يحقَق العدالة العامَة وهو وصيَة الله عِوضا عمَن مات ولم يوصِ.
ويبدو أنَ التَشبث بقانون الإرث من البعض، إنَما هو تحت وطأة أمرين꞉
أوَلا: الاستجابة للقراءة الرَومانيَة لكتاب الله. وهي قراءة لا تُفرَق بين العِدَة والأجل، ولا بين النَصيب والحظَ، ولا بين شريعة الحدَ وشريعة الحدود.
وثانيا : التَصدَي للقراءة السَياسيَة للدَين. حيث تتجلَى حماية الدَنيا والدَين.
وفي الحالتين تتحقَق المآرب. ويضيع الهدف الأسمى من الدَين.
-7 كان بالإمكان دفع المجتمع المدني و وسائل الإعلام فيه إلى تنظيم ندوات و حلقات نقاش و برامج إذاعيَة و تلفزيَة موسَعة، للتَبسَط في الفهم و دفع الحوار من أجل بلورة أفكار معاصرة و رَؤى تليق بكتاب الله تعالى ودينه.
-8 إنَ الثَورة تظلَ منقوصة ما لم تَؤثَث حلقاتها المفقودة بالثَقافة التَقدَميَة و الفكر الحيَ.