غيوم في فصل الربيع …

Photo

الغيوم أنواع ، منها البيضاء ومنها الرمادية والحمراء والسوداء . أما الخوف الجماعي فهو غيمة سوداء عقيم .. غيمة تظلل شعوبا بكاملها فيسكن قلوبها الوهن ، وتصبح وادعة مثل كلب أليف أو أقل .

لا أحد يرفع بصره إلى تلك الغيمة أو يسبر أغوارها .. فالرؤوس تنشدّ إلى ظلها ، ولا تجرؤ الأعين عن النظر إلى كبد السماء ..

ولكن يحدث أن يرفع أحدهم رأسه ، فتنقشع الغيوم ويأكل الخوف سحابة الخوف ! .. وتأخذ في العدو بعيدا وسط السماء إلى أن يختفي ظلها من على الأرض ، فإذا الجموع كلها مشرئبة بأعناقها إلى كبد السماء ..

وإذا الشمس تغسل بشعاعها الوجوه العطشى إلى الضياء .. وإذا صبح الثورة قد انبلج .. ولكن الغيمة السوداء لا ترحل أبدا .. هي دوما في الجوار ، تأمل دائما أن تثْقُل رؤوس الثائرين ، وأن تعود للوضع القديم ، فتسجنهم بظلها كما كانوا ، حتى لا تشخص الأبصار إلا للأديم ....

يروي ابن الأثير في كامله ، محدثا عن مجازر المغول في بغداد وعن مقدار ما أصاب العامة من استسلام وعجز أن الفارس المغولي قد يأخذ أسيرا وليس معه سلاح ، فيأمره بالمكوث في موضعه إلى أن يذهب للعثور على سيف ، ثم يعود ليقطع عنقه ! .

وتصف رواية شارلز ديكنز " بين مدينتين " بشيء من الصدق التاريخي كيف تحرّر العامة إبان الثورة الفرنسية ، من شيطان الرعب ، وأسكنوه عنوة قصور الأمراء وقلاع النبلاء حتى ظهرت المقصلة الثابتة والمتحرّكة ، وظهر عصر الإرهاب ، وريثا لعصر الاستبداد .

أما الصورة النموذح للرعب المهاجر في الثورة التونسية فهي بامتياز صورة " السفساري " الذي تتخفّى وراءه لحية وشارب !.

وأعجب ما رأيت من وجوه الرّعب والخوف أن ممالك قروسطية مضافا إليها طغمة عسكرية تسعى لأن تكون عرّابة لثورة السودان الشقيق ، الثورة التي قامت من أجل الحرية ! .. هي ممالك انخرطت في معركة وجود و تراهن على العسكر ليحميها من خطر الحرية المحدق ، والذي يطرق أبواب الحدود .

إنها السفاح المتسلسل للثورات ، وأداة الجريمة هي النياشين والبزّات ! .

ولكن ما معنى أن تقول جيشا عربيا ؟ لابد من العودة إلى التاريخ القريب حتى نقف على المعنى النهائي :


- الجيش الموريطاني هو جيش الانقلابات بامتياز .

- الحيش المغربي أكبر انجازاته هي مناوشات مع الجارة الجزائر ، وحروبه مع جبهة البوليزاريو .

- الجيش الجزائري بعد التحرير ، لم يعد له من اسم سوى جيش العشرية السوداء.

- الجيش التونسي هو الجيش النظامي الوحيد .

- الجيش الليبي هو ذاك الجيش الذي تصطف مدرعاته ودباباته على طول كيلومترات من أجل قصف بنغازي ومصراتة لكأنها يافا وحيفا أو مدن الجليل .

- الجيش المصري هو الحزب الحاكم منذ 1952

- الجيش السوداني بعد سوار الذهب هو الجيش الذي باع البلاد من أجل كرسيّ عمر وأكياس " أرز " .

- الجيش السوري هو جيش الممانعة الذي التبس عليه الأمر وظن شعبه بعض اليهود ، ففعل بهم فعل نبوخذ نصر وهجّرهم إلى زوايا العالم الأربعة .. فكانوا شعب الشتات الثاني بلا مراء .

- الجيش العراقي هو جيش العروبة البطل الذي دفنته المقاتلات الأمريكية في صحراء العرب ... بدل النقب ! .

الجيش العربي إذن ، لا عقيدة له ، ولا عدو يحاربه إلا أعداء الداخل .. هو ميليشيا الحكام ، وفريق حماية لكرسي الإمارة أو الرئاسة .. الجيوش العربية لا تعترف بشيء اسمه دولة إلا بقدر ما يعترف الحاكم بشيء اسمه انتخابات ودورة .. ولنتذكر دائما أن أكبر عهود الانحطاط بدأت مع سطو المماليك على السلطة ، ومعهم بدأ أول حكم عربي عسكري .

أما اليوم ، فيبدو أن العسكرياتية العربية هي السلف ، وهي أيضا الخلف .. هي الرعب الجاثم على النفوس ، وهي العدو المتستّر أحيانا والصريح .. فالثورات العربية تصطدم دوما بلصوص في ثياب عسكرية..

فعلوا ذلك بالشام ومصر واليمن ، واليوم يسرقون الثورة بالسودان وليبيا والجزائر بالخديعة والحيل وفي الثورات ، إذا كان ثمة شرط أولي للنجاح ، فهو بالضرورة عزم الشعوب وصبرهم ، ولكن قبل ذلك بعض ذكاء .. فإجهاض الثورة يستثمر دوما في الدماء أو الغباء .. انظروا إلى حال مصر بعد أن وثق الغراب بصحبة الثعالب ، وإلى الدماء السائلة أنهارا في دمشق وصنعاء ..

لا أمل في بزوغ عصر جديد إذا انخدعت الشعوب الثائرة مجددا بخطاب جنرال عربي ، يدعي كذبا أنه في مقام القرمطي.

لا أمل في بزوغ عصر جديد إن عاد الخوف يفتك بالنفوس ، ويقتل أحلامنا للحرية . الذي لا يملك سوى أغلاله يسهل عليه كسرها ... هذا هو معنى أن ينتصر الدم على السيف . فالسيف ينكسر ويكلّ ، والدم إذا فار يجرف كالسيل .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات