عرفت الخمّارات و الملاهي اللّيلية و عرفتني، كنت ارتادها و اواظب على ذلك الى حدّ الادمان ،اعترف بذلك ،فلم اكن ملاكا و لست بشيطان ،كنت و لا زلت ذاك الإنسان، أخطئ و أصيب،اتعثّر،أسقط و انهض لأواصل دربي، نافضا حزني ،متجاوزا وجعي، و باحثا في الأفق المنسدّ عن خلاص ،ملاذ و أمان.
كنت أشرب بشراهة لا توصف، حتّى أنّ بعضهم كان يتساءل كيف لبطني أن تسع كلّ تلك الكمّيات من الشّعير المخمّر و بنت العنبة و المقطّر،لا أملك فرامل ذاك مؤكّد و كنت في غالب الأحيان لا أحدّد النّهايات و أنصاع لما ستؤول اليه مطاردا السّراب.
كثيرة هي المواقف الّتي اتذكّرها و الّتي لولا لطف الله لكانت نهايتي..خصومات مع حراس النزل و الملاهي..شجار مع بعض العابرين..سيارات كادت تدهسني…و كثيرة هي المشاكل الّتي كادت تعصف باستقراري و عائلتي…لولا لطف الله.
ماذا لولا لم يرعني الله بلطفه وركلني أحدهم ركلة قاتلة أو دهستني سيّارة أو نفذ صبر زوجتي الفاضلة أو امتنع والدي رحمه الله عن مدّي يد المساعدة؟ هل كنت ان انعم بلحظة سجودي الآن والطمأنينة الّتي تبعثها فيّ تسبيحي وصلواتي على النّبي؟ هل كنت سأتمكّن من قراءة القرآن أو أن أكتب بعض الكلمات أو أن أساهم في رفع وجع انسان؟
قصّة جميلة سأذكرها فيها من العبر و فصل البيان: عن يوسف بن الحسين يقول : كنت مع ذى النّون المصرى على شاطىء غدير فنظرت الى عقرب أعظم ما يكون على شط الغدير واقفة فاذا بضفدع قد خرجت من الغدير فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت فقال ذو النون : إنّ لهذه العقرب لشأنا فامض بنا , فجعلنا نقفو أثرها فاذا رجل نائم سكران وإذا حيّة قد جاءت فصعدت من ناحية سرّته إلى صدره وهى تطلب أذنه فاستحكمت العقرب من الحيّة فضربتها فانقلبت وانفسخت ورجعت العقرب الى الغدير فجاءت الضفدع فركبتها فعبرت فحرّك ذو النّون الرّجل النّائم , ففتح عينيه فقال : يا فتى انظر ممّا نجاك الله ! هذه العقرب جاءت فقتلت هذه الحيّة الّتى أرادتك، ثم أنشأ ذو النون يقول:
يا غافلا والجليل يحرسـه من كلّ سوء يدبّ فى الظّلم
كيف تنام العيون عن ملك تأتيـه منـه فـوائــد الـنّـعـــم
فنهض الشاب وقال: إلهى، هذا فعلك بمن عصاك! فكيف رفقك بمن يطيعك؟! ثم ولّى، فقلت:
إلى أين؟ قال: إلى طاعة الّله.
ذكرت هذا وانا استعرض قصّة ذاك الشًاب آدم الّذي حطّموا قفصه الصدري ورفسوا قلبه وهو يحتفل بعيد ميلاده صحبة والده وبعض أصدقائه أمام الجميع وبدون أن يتدخّل أحدا. وجد آدم نفسه وحيدا يواجه أفاع سامّة ولم يجد عقربا واحدة تنقذه من مصيره المحتوم بل كانت عقارب ساهمت بلسعاتها في قتله مرّتين.
و عوض عن التّساؤل عن منسوب العنف الّذي سكن كينونات هجينة مشوّهة هي منتوج منظومة فاسدة مفسدة يتجلّى افتراضيا ليتحقّق على أرض الواقع كلّما سنحت الفرصة لذلك،كان سؤال البعض :لماذا يلتجئ ابن لأن يحتفل مع ابيه و أصدقائه في خمّارة أو ملهى ليلي؟ ويستنتج آخرون بأنّ الجريمة هي عقاب طبيعي لجرم مرتكب. كم كانت تلك العقرب التي تتبّعها ذو النون المصري أرحم من العقارب البشرية. "رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"