لا يوجد هناك أحسن توصيف للأنظمة التوتاليتارية من أنها تفتد لأيّ مشروع بناء، ففي كلّ مرة وعبر مختلف الحقب التاريخية واختلاف المجتمعات والثقافات، لمّا تستشعر بوعي مجتمعي يهدّد كيانها ووجودها ومصالحها، فإنها تلجأ الى تفعيل العنف وتعميمه لترعيب المجتمع بالقوة واستدراج الأفراد والجماعات إلى مساحات الكراهية، والإقصاء والجهوية والعصبية وإلغاء الآخر.
إنّ ما حدث اليوم بعدد من الولايات (باتنة، البرج، عنابة، وهران، قسنطينة، جيجل…) من ترهيب وعنف مادي ممارس من قبل بلطجية، إنّما يؤشر مرّة أخرى على تهاوي الدولة – الوطنية وتآكل هياكلها نتيجة صراعات عصب ومجموعات مصالح تحاول نقل العنف إلى مستويات أفقية في المجتمع. وعليه، فإنّه من الضرورة بمكان، أخلاقيا وفكريا وسياسيا، التنديد بهذه الممارسات، والتعبير بقوة عن المخاطر الكبرى التي قد تنجر عنها، وعن استراتيجيات الحكم بالقوة التي يراد منها فرض الهيمنة على مجتمع بأكمله، وكذا التعبير عن مخاطرها في زعزعة الروابط المجتمعية، وتماسك النسيج الاجتماعي.
إنّ الوضعية التي يراد لها أن تتطوّر إلى استدعاء غريزة الموت و اللعب على "تفعيل" جنون العواطف القاتلة، لا يمكن بأي حال من الأحوال توصيفها سوسيولوجيا أو سياسيا على أنّها ممارسات "دولة توتاليتارية"، بل التوصيف الذي ينطبق عليها هي كونها ممارسات فاشية لمجموعات مصالح و اوليغارشيا اغتصبت الدولة و استحوذت على الحكم بعيدا عن أي شرعية مجتمعية، و هي بإيعازها لمثل هذه الممارسات أو السكوت عنها، إنّما تعبّر عن نظرة عنصرية تجاه المجتمع وأفراده ، وترفض له الحق في الوجود السياسي و الاعتراف بحقّه في التمثيل الحرّ، و بناء مستقبله بعيدا عن أي وصاية أو أبوية.
إنّ اللحظات الفارقة، والتاريخية والمصيرية بالنسبة لأيّ مجتمع من المجتمعات، تحتّم على كل سياسي أو جامعي، أو مثقف أن يجعل من صوت الحق والقانون ورفض الفتن والقهر وتعنيف المخيال، التزاما أخلاقيا وموقفا سياسيا لا يقبل الحياد، فالقبول بمثل هذه الممارسات إنّما هو تخاذل وإنكار لحق المجتمع في العيش كما يرضاه لنفسه في سلام وأمان.