”لماذا العمّال بالتحديد لا غيرهم؟ لِمَ لا كلّ الناس؟ لماذا اعتبر العمّال مِلْح الأرض؟ إنهم عمال لأنهم عاجزون عن ملء الوظائف الأخرى، لو كان بإمكانهم لشغلوا مناصب حكّام تحقيق.“ بوريس جيتكوف
هذه الإدانة الصارخة للطبقة العاملة لهجت بها سندرا تيكين إحدى شخصيات رواية الكاتب الروسي بوريس جيتكوف التي تحمل عنوان”فيكتور فافيتش“. والثابت أن هذه الرواية التي تستلهم أحداثها مما حدث إبّان ثورة 1905 في روسيا القيصرية منعت حال صدورها لأن الرقابة عدّتها عملا مناوئا للثورة. لاسيما أن بطلها ليس بطلا إيجابيا، بل هو بطل مضادّ.
تدور الرواية حول المآسي المروّعة التي عاشتها كل من عائلة فافيتش وعائلة تيكيتين جرّاء ظلم نظام القيصر وتنكيل المخابرات. تحتوي الرواية على التواءات وتفرّعات بموجبها تشهد الحكاية الأُمّ التي عليها جريان الرواية تصدّعات كثيرة وتتشظّى من الداخل لتتفرّع إلى حشد من الحكايات الصغرى التي تحكي تغريبة أكثر من اثني عشرة شخصية.
لكلّ شخصية حكايتها التي تتقاطع مع حكايات بقية الشخصيات وتتنافذ معها وفق نسق يجعل حدث القراءة عبارة عن دخول في متاهة مدوّخة. وبذلك تتحوّل الحكايات الفرعية ذاتها إلى عناصر فاعلة في جسد الرواية فيما يصبح حضور الشخصيات أمرا يكاد يكون ثانويا، ذلك أن الحكايات الفرعية هي التي تبني الحبكة، وهي التي تمدّ الحكاية الأُمّ بتفرّعاتها وامتداداتها وقاعها المأسوي. ويجمع النقاد على أن بوريس جيتكوف كان من أوائل الكتاب الذين استفادوا من التقنيات السينيمائية التي برع فيها معاصره السينيمائي سرغاي إيزانشتاين في عشرينات القرن الماضي.
غير أن الرواية لا تمجّد أحدا ولا تنتصر لأية قضية. إنها رواية اليأس من العدالة. وهي تصوّر يأس العمّال ويأس الفقراء من أية عدالة ممكنة أو محتملة، وتعتبر الثورات مكائد دبّرها أسيادٌ جدُدٌ لينالوا الثروة والسلطة. هذا الإعلاء لليأس سيّداً في دنيا بني البشر هو الذي دفع بالسلطات السوفياتية إلى مصادرة الرواية حال صدورها. وهو الذي مدّ الرواية ببعدها الاستشرافي لما سيؤول إليه أمر ثورة العمال في روسيا من انهيارات فاجعة. لم يشكّك الكاتب في الثورة، بل جزم بأنها ستأتي على أحلام العمال والمستضعفين وتطحنها طحنا، مؤجّلة بذلك خلاصا مرتقبا منذ نصّب الظلم نفسه سيّدا على العالم في بدايات الزمان.
نقل كلّ من غولدفاي فوكار وجاك كاتو هذه الرواية إلى الفرنسية مؤخرا واعتبروها ملحمة كبرى تنضاف إلى روائع الأدب الروسي. وقد حرص المترجمان على تعريف القارئ بسيرة حياة المؤلف الذي سحقته آلة العقاب وكادت تجعل إسمه نسيا منسيا، فأشارا إلى أنه من مواليد1882 وقد كان أبوه أستاذ رياضيات وأمه موسيقية. أما هو فدرس الرياضيات والكيمياء وصناعة السفن وشارك في ثورة 1905. ولم يكتب الرواية إلا بعد أن تخطّى الأربعين لكن روايته الضخمة المحرّمة ظلّت منسية حتى سنة 1999، تاريخ العثور على نسخة منها.