"أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية سوسة 2 مساء أمس الأربعاء بمنع أشغال المؤتمر الاستثنائي للاتحاد العام التونسي للشغل بعد تأكد تسجيل ست حالات إيجابية على الأقل بفيروس "كورونا" في صفوف المؤتمرين الذين توافدوا منذ الصباح على النزل الذي يحتضن أشغال المؤتمر. والذي بدأت أشغاله فعلا صباح اليوم الخميس 8 جويلية.
وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية سوسة 2 هيثم بوبكر إنّ القرار جاء بناء على مراسلة الإدارة الجهوية للصحة بسوسة التي أكدت فيها تسجيل ست حالات إصابة من بين 30 تحليلا تم إجراؤه، و بناء على تحذيرها من تشكّل بؤرة للعدوى بالفيروس".
يبدو جليا من خلال الخبر كيفما تناقلته كل وسائل الإعلام مساء أمس أن قرار النيابة العمومية قد اتخذ أساسا بناء على تأكيد اللجنة المشتركة طبق مراسلة المدير الجهوي لولاية سوسة بتشكل بؤرة عدوى نظرا لتسجيل حالات إصابة بالوباء طبق التحاليل التي تم إجراؤها أي أن حالة التهديد الصحي قائمة ومعها قيام المخلفات التي ارتكبها أشخاص تعمدوا من خلال سلوكهم (وهو التنقل والاجتماع هنا) نقل المرض إلى اشخص آخرين خصوصا مع حضور فيرورس دلتا المتحور سريع التفشي .
فماذا يعني بعد ذلك وماذا يفيد، بل ماذا يغير من الموقف الإدلاء بترخيص من وزيرة الصحة لعقد المؤتمر؟ فهل أن هذا الترخيص ينفي جريمة نقل العدوى ووقائع تهديد الصحة العامة؟ طبعا لا.. ولماذا تحولت النيابة العمومية سريعا من متصدية بمقتضى قرارها الأول لجريمة تشكل بؤرة نقل عدوى الذي أسسته على ثبوت الإصابات إلى راعية لبؤرة العدوى طبق التصريح اللاحق للناطق الرسمي للمحكمة والذي ورد فيه أنه لم يعد بالإمكان منع انعقاد المؤتمر بعد حصول الاتحاد على الترخيص وان النيابة العمومية ستتابع عن كثب مدى احترام وتطبيق البروتوكول الصحي.. إذا كان المشكل مشكل ترخيص فلماذا اتخذ قرار بالمنع و لماذا تم إعلام العموم به وتناقلته بكثافة كل وسائل الاعلام .
وإذا كان الأمر يتعلق بجرائم (وهي في تقديرنا كذلك ) فان دواعي المنع لا تزال قائمة وقد تأسست لا على وجود ترخيص من عدمه، بل على تقرير اللجنة المشتركة للصحة وطلب المدير الجهوي للصحة بتأجيل المؤتمر وهو تقرير استند على المعاينة الميدانية التي لم تتعلق فقط بوجود إصابات، بل بغياب البرتوكول الصحي جملة وتفصيلا وهل يمكن لترخيص سابق او لاحق من وزير الصحة إلغاء التهديد لأرواح التونسيين بعد نتائج المعاينة المذكورة .
للأسف الشديد خلنا لسويعات أن بوابة إنفاذ القانون على الكافة من خلال قرار النيابة الأول بسوسة 2 انفتحت مساء أمس، ولكنها وأسفاه ! سرعان ما أغلقت. فما حاجتنا إلى شجاعة من النيابة العمومية تخلف الارتباك والتعثر ثم التراجع؟ ألا يكون ضررها أكثر من نفعها.؟
علما وانه طبق الفصلين 10 و 24 من مجلة الاجراءات الجزائية فان النيابة العمومية تحت اشراف الوكيل العام بمحكمة الاستئناف هي المسؤولة على تطبيق القانون الجنائي بكامل المنطقة التابعة لها محكمة الاستئناف وله الاستنجاد بالقوة العامة للقيام بوظائفه بواسطة أعضاء الضابطة العدلية ومن بينهم وكيل الجمهورية في حالات تهديد الأمن العام والصحة العامة بارتكاب جرائم خرق التحاجير الصحية.
فبأي شرعية بعد ضلوع أعمدة الدولة من سلطة تنفيذية وقضاء وكبرى المنظمات فيما يحصل بسوسة ستطبق النيابة العمومية والمحاكم سواء في سوسة واو في غيرها من مناطق الجمهورية قرارات منع التجمعات في الأماكن المفتوحة والمغلقة وقرارات منع التنقل وتحديد وإيقاف الأنشطة التجارية والاقتصادية على عموم الناس ؟
لقد كان قرار المدير الجهوي للصحة يقتضي بلا شك تأجيل المؤتمر الذي أوصى به بكامل الوضوح ودون الخضوع للضغوطات غير أن وزير الصحة اختار وخارج أوقات العمل الإداري ومع العاشرة ليلا أن يمنح الترخيص الليلي اللاحق وبعد تأكد الإصابات وإمكانات العدوى الفعلية من داخل قاعة الاجتماع وكل الأماكن داخل النزل التي يجتمع فيها المؤتمرون .
إن المسؤولية تكليف لا تشريف وهي تعني الثبات على القرار والمبدأ الذي يخدم الصالح العام وليس الخضوع، والارتباك، والخوف، والتراجع.