الرأي القانوني المحيث بالتفصيل حول قرار الرئيس بحل البرلمان طبقا للفصل 72 من الدستور.
من حيث الشكل:
حيث ينص الفصل 77 من الدستور على أحقية رئيس الجمهورية في اختصاص البرلمان وحدد ذلك بشروط أصلية معينة. لذلك فهو مختص بالدستور في حل البرلمان.
وحيث ينص الفصل 80 من الدستور أن عند حالة الاستثناء لا يمكن حل مجلس نواب الشعب. لذلك فإن حل البرلمان يجب ألا يكون عند حالة تطبيق الفصل 80. لذلك فإن أي حل في فترة الاستثناء هو إجراء يفتقد الحصانة الإجرائية.
وبناء عليه يتعين التسليم بعدم سلامة القرار شكلا.
من حيث الأصل:
حيث نص الفصل الفصل 80 من الدستور على أنه "وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب" وهو ما يمنح تحصينا للمؤسسة التشريعية من الحل بصريح العبارة. وهي قاعدة آمرة تهم النظام العام لا يمكن مخالفتها بأي حال من الأحوال. وأي قرار بحل المجلس هو خرق جسيم للدستور موجب للعزل مباشرة.
حيث ينص الفصل 72 من الدستور "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور" وعبارة "يسهر" تفيد إلزام للرئيس بألا يخرج عن الدستور في المقام الأول. وهو إلتزام بتحقيق نتيجة وهي علوية الدستور وعدم خرق أحكامه. لذلك أي قرار يجب أن يكون مطابقا للدستور شكلا وأصلا. والدستور لا يتيح له بأي حال من الأحوال أن يحل البرلمان بصفة تلقائية. بل ضبط ذلك بالفصل 77 من الدستور الذي بدوره يحيل إلى صور محددة.
وحيث نص الفصل 77 من الدستور على أن رئيس الجمهورية له أن يحلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور. وإن هذا التنصيص يحدد بصفة حصرية لا مفتوحة أن الحالات التي يمكن فيها لرئيس الجمهورية حل البرلمان. بالتالي لا يجوز التوسع في تأويليه، بل يجب الرجوع لهذه الصور المحددة على سبيل الحصر لا الذكر.
وحيث أن هذه الصور التي حددها الدستور لا يمكن ان يكون الحل خحارج تحقق شروطها كاملة دون نقصان. والدستور إحتوى على الفصول 89 و98 و99 التي تبين الأسس الإجرائية الأصلية لقرار إنهاء عضوية النواب المنتخبين.
وحيث نص الفصل 89 على أنه إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، وهو تكليف مرشح الحزب المتحصل على أكبر عدد من مقاعد مجلس نواب الشعب، ولم يمنح أعضاء المجلس للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما. وهو ما يجعل ضرورة وجود تكليف على أساس نتائج الانتخابات شرط جوهري يسقط معه قرار الحل إذا لم يوجد.
وحيث نص الفصل 99 على أنه في صورة استقالة رئيس الحكومة وعند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما. وهذا ما يجعل ضرورة أن تكون هناك استقالة لرئيس الحكومة وتجاوز لأجل شهر. وإن هذا غير متوفر في واقعة الحال وهو ما يجعل القرار خارجا عن الشرعية الدستورية.
وحيث أن قرار إجراء الانتخابات السابقة لأوانها مقترن بحل المجلس النيابي على الصيغ المقررة دستوريا وليس خراجها. وهذا ما من شأنه أن يحصن العملية الانتخابية التي تعبر عن إرادة الشعب وسيادته طبقا للفصل 3 من الدستور.
وحيث أن الإنتخابات السابقة لأوانها هي نتيجة آلية لقرار إنهاء عضوية النواب طبقا للأحكام الدستورية المقررة بالفصول المذكورة انفا، ما يصيّر أي انتخابات أسست على غير الشروط الدستورية هي دعوة فاقدة للشرعية في حكم العدم. وهي انتخابات باطلة شكلا لا قيمة قانونية لنتائجها.
وحيث ان هذا القرار بالأسس الذي تم تبيانها سابقا هو خرق جسيم للدستور لا تشوبه شائبة. وأن التقرير خارج صريح الفصول الدستورية هو إطاحة بها وانقلاب عليها موجب لتوليد حق البرلمان في تفعيل مقتضيات الفصل 88 من الدستور بإعفائه من منصبه وفقدانه لحق الترشح لأي انتخابات والمضي في التتبعات القانونية اللازمة.
وحيث أن الفصل 88 أشار لهذه التتبعات، إذ يعتبر ما قم به الرئيس موجب لقيام المسؤولية الجنائية في جريمة ارتكاب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي، وذلك على معنى الفصل 72 من المجلة الجزائية.
وحيث أن الدولة هي مجموعة المؤسسات التي كونها الدستور ونظم اختصاصاتها ونظم العلاقة فيما بينها وهي الوحدة المتكونة من سلطة التنفيذ وسلطة التشريع وسلطة القضاء، وهي تسير حسب نظام قانوني معين يحدده دستور البلاد.
وحيث أـن هيئة الدولة هي الوضعية الكائنة التي حددها النص الدستوري لمؤسسات الدولة، بالشكل الذي تستمر فيه السلطات والمؤسسات بالعمل بالشكل الذي تحدد في الدستور.
وحيث يقصد بتبديل هيئة الدولة هو وتغيير يتم فرضه خارج الإطار الذي حدده الدستور للقيام بالتغييرات التي تكون عبر الانتخابات أو سحب الثقة أو الحل في الحالات المذكورة سلفا.
وحيث أنه وبالقيام بتغيير في هذه الهيئة بالوسائل التي لا يجيزها الدستور، لهو اكتمال لأركان هذه الجريمة وتمام لعناصر المسؤولية الجزائية التي تقوم بمجرد الانطلاق في الأعمال التحضيرية لها.
وحيث أن قرار حل مجلس نواب الشعب، خارج الأطر الدستورية، هو قيام لأركان هذه الجريمة وموجب لمساءلة جزائية لرئيس الجمهورية وهو ما يجعل موقعه القانوني كرئيس للجمهورية غير ثابت وهو في عداد المتهمين بالجريمة المذكورة علاوة على كون هذا العمل موجب للعزل وبالتالي فقدانه لصفة رئيس الجمهورية التونسية.
ولهذه الأسباب، يكون قرار رئيس الجمهورية في حل مجلس نواب الشعب باطلا شكلا دون الخوض في الأصل الذي بدوره لا يسمح له بالحل ويكون محل مساءلة بموجب الفصل 72 من المجلة الجزائية.