حين حُكم بالإعدام على الشاعر العراقي احمد النعيمي بسبب قصيدته "نحن شعب لا يستحي " التي يسرد فيها تاريخ الشعب العراقي منذ حرب علي ومعاوية، حيث ساند عليا ثم انقلب عليه، وبايع الحسين ثم خذله ، وصفق لصدام حسين ثم تنكر له وندد بالإمبريالية والاستعمار ثم هلل للغزاة، لم تخرج مظاهرات شعبية تندد بالحكم ولا بإعدام شاعر لم يحمل سلاحا ولم يقل غير كلمة حق، و لم يشجب الادباء والشعراء الجريمة، تعرفون لماذا؟ لأننا شعوب لا تريد ان تواجه حقيقتها ولا ان تداوي امراضها، شعوب عوض مداواة جروح ماضيها تخفيها تحت الثياب، تعنتا ومكابرة…
النخب التي ساندت قيس سعيد في كل الإجراءات التي اتخذها ومنحته كل السلطات وغفلت عن كل التجاوزات وقالت له: "ما شئت لا ما شاءت الاقدار" وشتمت كل من عارض وشمتت في كل من سُجن وأُهين وعُذّب، ها هي تسأل اليوم: "اين الدولة؟ "من حقنا ان نعرف عن غياب الرئيس" !!!! وكأن هناك دولة ومؤسسات خارج الرئاسة وقانون خارج ما يسطّر ويقرر هناك ... وكأنكم لم تسجنوا الدولة بكل مؤسساتها.
وحتى أستاذ القانون الدستوري، الذي كانت مهمته تبرير كل الخروقات وتدوير الزوايا القانونية قبل ان يقع الاستغناء عن خدماته بطريقة مهينة ، فانه اطلّ علينا ليعطينا دروسا في القانون حول حالات الشغور في السلطة، أيها الأستاذ الفذ، لا داعي للخجل، سيكون لك شأن عظيم، لان الشعب سينسى كل تبريراتك وماضيك، فقط كثّف من اطلالاتك الإعلامية وتدويناتك المرجعية، فالشعب في حاجة الى امثالك،
انا فقط شيخ "خرنان" ، أكره النسيان واتعلق بتفاصيل الذكريات، لكن لا تهتموا فلم يبق من العمر الكثير.
"ارض النفاق": مرآة مجتمعاتنا
في رواية "ارض النفاق" الخيالية للكاتب الكبير ، يوسف السباعي ، يسأل البطل صاحب دكّان "بيع الاخلاق الحميدة" ، مثل الشجاعة والمروءة والكرم ، لماذا لا يبيع "الاخلاق الاخرى" السائدة في المجتمع ، فيجيب التاجر ان اصنافا مثل الجُبن والمكر والرياء كانت كلها موجودة ، وكان اقبال الناس عليها كبيرا ، حتى غصّ الدكان بالمشترين وفاض على الشوارع المجاورة، فاتخذت الحكومة قرارا بالاستيلاء على كل ما في الدكّان من نفاق وتأميمه وتوزيعه تحت رقابتها ،
وبما ان لا رقابة على الحكومة ، فقد نال نصيب الاسد من هذه الصفة كل المتزلفين والمقربين والموالين ، فغضب الشعب الذي يريد ان ينال نصيبه ، هو ايضا، من النفاق ، حينها توصلت الحكومة الى حل معقول ، وهي ان ترمي بما تبقى من نفاق في النهر كي يشرب منه كل الشعب ، عندها فرح القوم لان الكل اخذ نصيبه من النفاق وظل الجميع يشربونه حتى جرى في اجسادهم ، ثم سقوا بمياهه اراضيهم، فأضحى الشعب منافقا والارض ارض نفاق .
ثم يقول الكاتب لمن يعترض على التوصيف:" يا أهل النفاق !! تلك هى أرضكم .. و ذلك هو غرسكم .. ما فعلت سوى أن طفت بها و عرضت على سبيل العينة بعض ما بها .. فإن رأيتموه قبيحاً مشوها ، فلا تلومونى بل لوموا أنفسكم .. لوموا الأصل و لا تلوموا المرآة . أيها المنافقون !! هذه قصتكم ، و من كان منكم بلا نفاق فليرجمنى بحجر ."