غالبية مشاهير الشام كاد أن يُغمى عليهم من شدّة الفرح لأنّهم في ربوع تركي آل الشيخ. هكذا، حضروا ضمن أجواء اتّسمت بـ «الدلع» والتملّق، متناسين أنّ شعباً كاملاً يتعرّض لإبادة موصوفة على مسافة ليست بعيدة.
لن يحتاج أحد عناء مشاهدة احتفال Joy Awards ما دام أنّ الهدف بات واضحاً من وراء الاحتفالية الباذخة التي يتركّز همّها على مواصلة تكريس الصيغة الفنية الملمّعة بمظهرها، والمتهاوية في جوهرها، ثم الإمعان في تسطيح ذائقة الجمهور العربي، وتعويم السخافة انطلاقاً من الدراما التركية المعرّبة التي لا تقول شيئاً سوى الهراء! لكن لن يفيد تعامينا عن متابعة الحدث الفني الأبرز الذي أقيم في الرياض قبل أيام لأن السوشال ميديا أمطرتنا بفيديوات من كواليس الاحتفال ومنصّاته!
زيّن السوريون المكان واحتفوا بإحدى أيقونات التمثيل في بلادهم وهي منى واصف بعدما نالت «جائزة الإنجاز مدى الحياة» وهي تستحقّ أن تكون مكرّمة أينما حلّت! لكن ماذا فعل البقية مثل عابد فهد، وباسل خيّاط، وتيم حسن، ومحمود نصر، ومكسيم خليل، وسلافة معمار، وكاريس بشار، وغسان مسعود، وأيمن زيدان، وجمال سليمان، ومصطفى الخاني، وديمة قندلفت، وأصالة نصري؟ الأخيرة تحديداً صارت لازمة نوعية في حفلات «الهيئة العامة للترفيه» السعودية، إلى درجة أنّ بعض المتابعين علّقوا بسخرية بأنّها تتقاضى على السهرات والتكريمات والفعاليات وفقاً لنظام الـ Package ومعها أنغام ونانسي عجرم!
في الأحوال كلها، يمكن القول صراحةً إنّ غالبية نجوم الشام كاد يغمى عليهم من شدّة الفرح لأنهم في ربوع «مملكة الخير» وتحديداً في بلاط «بوناصر» مهندس الترفيه والراعي الحصري لموجات «الانحطاط». كلنا يتذكّر الفيديو الذي أطلّ فيه ليحفّزنا على الشراء من إحدى سلسلات المطاعم الداعمة للصهيونية، كنوع من الرد السفيه على حملات المقاطعة التي انطلقت بعد اشتعال «طوفان الأقصى».
حضر النجوم و«اندلعوا» على الآخر... إلى درجة أن سلافة معمار مثلاً صوّرت بطاقة الدعوة المرتبة بإتقان داخل علبة الشوكولا الفاخرة، ونشرتها على صفحتها على الفايسبوك، بينما غمزت كاريس بشّار جمهورها في فيديو على السوشال ميديا وهي بثوب الحمّام بعد انتهائها من الماكياج، وتقصّدت أن تظهر وشمها الجديد ربما، ثم فستانها الباذخ الذي سألها المذيع بعمق مهوّل عمّن تولّى تصميمه، فأجابته بتباه وادّعاء كافيين!
أما سوزان نجم الدين، فقد انتهت من جولات النضال العروبي والتضامن الصريح مع القضية الفلسطينية والتظاهر أمام الكونغرس الأميركي واعتقدت أن الحرب على غزة انتهت وتوقّف شلّال الدم. هكذا، حضرت لتنفض عن نفسها غبار المعارك وتترفّه، فإذا بحشرية الكاميرات تصطادها وتتناولها الصفحات الافتراضية وهي تدير حديثاً مع زميلها مكسيم خليل «نجم المعارضة المدجّنة التي تنجز أعمالاً درامية حاقدة غايتها تصفية الحسابات السياسية» وفقاً لتلك الصفحات التي كالت عليه أفظع الشتائم ولم تبخل على زميلته أيضاً، بينما مرّ تيم حسن على السجّادة الحمراء وفجأة شدّ على يد زوجته وفاء الكيلاني بطريقة مريبة وهو يلتقط الصور!
واستفرد بالساحة محمود نصر الذي كان يعتذر عن عدم إجراء أي لقاء صحافي سابقاً بقصد الترشيد، بينما صار اليوم شبه موظّف لدى mbc يلعب بطولات واهية في أعمال بائسة، ويقدّم «بودكاست» يحاور فيه أبطال تلك الأعمال، ويسألهم عن تفاصيل في غاية السذاجة ثم يستطرد في الحديث عن هذا المحفل، ثم عن سرّ شنبه ومسلسله الجديد «أولاد بديعة» (إخراج رشا شربتجي ــــ كتابة علي وجيه ويامن حجلي) من دون أن يخطر في باله التعريج على فكرة مهمة غالباً لا يعرفها، هي أن مسلسله ربما يكون مقتبساً عن رائعة السينمائي الإيراني سعيد رستايي «إخوة ليلى! »
في الأحوال كلّها، استمتع نصر بمنظر الحشود وشدد على فكرة جمالهم. ربما لم تخطر في باله حشود من نوع آخر تتجمهر خوفاً من القصف والموت اليومي! كانت مهمات غالبية النجوم السوريين تقديم الجوائز وتوجيه الشكر إلى معالي المستشار تركي آل الشيخ، كلٌّ على طريقته. فضلاً عن ذلك كله، كان للنجم قيس الشيخ نجيب دور إضافي، عدا عن تقديمه جائزة مع شريكته سلافة معمار في «التحفة الفنية» أي المسلسل التركي المعرّب «الخائن» عندما تحوّل إلى كومبارس مرتبك سحب المايكرفون من يده وأنهى لقاءه على عجل ليفسح الطريق أمام النجم العالمي أنطوني هوبكينز…
أما مصطفى الخاني، فرُّدت له الروح بهذه الدعوة إلى درجة أنه نشر عشرات الصور والفيديوات المتلاحقة وكأنه اليوم الموعود بالنسبة إليه.
طيب الحياة مستمرة، ولا بدّ من أن هيئة الترفيه تشتغل وفقاً لمنطق ممنهج، لكن السؤال المحق: تُرى أين اختفت غزة فجأة من وجدان النجوم السوريين واهتمامهم؟ هل تناسوا الموضوع متعمّدين كما فعلت غالبيتهم على السوشال ميديا، أم أنهم لا يعرفون ما هي عاصمة فلسطين؟ أهي القدس الشرقية، كما غرّد مرّة عابد فهد، أم أنّها القدس؟
ربما اختاروا وقرروا سلفاً بأنهم لن يلقوا المصير ذاته الذي لقيه الممثل المصري محمد عادل إمام بعدما وجّه تحية عابرة إلى البلاد المحتلة، فانقضت عليه «وحوش البراري» الضارية على السوشال ميديا تجرّب النيل منه كي لا يفكر أحد في تكرار الموقف على منصّات الترفيه. وكيف يخطر لأحد أن يحيّي فلسطين من مسارح معدّة للتطبيع العربي مع الكيان الصهيوني؟