من البديهي أننا لا نعرف خطط المشاركين في الحرب على قطاع غزة، ولا نقرأ في عقولهم، كما أننا لا نعلم عن الغاية من الانتفاضة الفلسطينية المسلحة إلا ما أعلنه روادها فيما يخص تحرير المعتقلين في سجون الإسرائيليين واحترام الأماكن المقدسة ورفع الحصار، ولكننا تابعنا خلال الخمسة أشهر الماضية أداء جميع الأطراف المشاركة مباشرة أو بالواسطة في سيرورة القتل والهدم وصولاً إلى الإذلال والتفخيخ عن طريق عمليات إلقاء المواد الغذائية من الجو على مئات الآلاف من الجوعى وفوق البحر على مرأى منهم وإدخال عدد من الشاحنات المحملة بالمساعدات ثم اطلاق النار عشوائياً على الجموع التي احتشدت حولها، فصرنا أمام مشهد بانورامي واسع غني بالأحداث، الأمر الذي يمكننا من التفكر في الغايات التي يتمنى كل طرف من أطراف هذه الحرب بلوغها .
لنأخذ بادئ ذي بدء، ردة الفعل الإسرائيلية على الانتفاضة الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2003، فهذه ما تزال متواصلة بعد مضي خمسة أشهر، بالرغم من نتائجها الصادمة التي شعرت بها شعوب العالم، المتمثلة بالدمار الشامل وبأعداد هائلة من الضحايا المدنيين، ناهيك عن ظروف العيش حيث لم يعد يوجد مأوى وطعام وماء ومستشفى ومدرسة . ولا شك في أن تمادي الإسرائيليين في هذا الإجرام، مرده لقدرة قيادتهم على صياغة خطة تنفيذه وانصياعهم لها من جهة إلى إعطاء دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تفويضاً مطلقاً بإلغاء الفلسطينيين من المعادلة الإقليمية سحقاً أو نفياً . تجسد ذلك في أغلب الظن بمنع مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار بوقف إطلاق النار، قبل إنجاز المهمة !
يبرر الميل لطرح هذه الفرضية الإلغائية المضمرة في ضمير دول الغرب المشار إليها عناصر عديدة، نذكر على سبيل المثال :
ـ الحملة التضامنية الديبلوماسية والسياسية وقوفاً "دون قيد أو شرط" إلى جانب إسرائيل . تمظهر ذلك من خلال زيارة معظم رؤساء تلك الدول لإسرائيل، بالإضافة إلى الوزراء وقادة الأحزاب والوفود النيابية .
ـ الحملة الإعلامية حيث أن جميع وسائل الأعلام والدعاية تطوعت حصريا لبث الدعاية والرواية الإسرائيلية، التي تبين فيما بعد، عدم صدقها، مقابل الضغوط التي مورست على بعض الصحافيين، إلى حد أن بعضهم فصلوا من أعمالهم .
ـ اللافت للنظر أيضاً، أن هذا الغرب، أصم سمعه عن تصريحات القادة الإسرائيليين حيث نعتوا الفلسطينيين "بالحيوانات البشرية"، التي يتوجب تجويعها وتعطيشها وحرمانها من التدفئة والنور في الليل، ومن العناية الطبية .
فلا عجب عندئذ، أن تساهم دول هذا الغرب، مع سلطات عربية متواطئة معها، مأجورة لها، في تنظيم طلعات جوية فوق قطاع غزة، بالتنسيق طبعاً مع إسرائيل التي تمنع إدخال شاحنات المؤن، لإنزال هذه المؤن فوق جموع الجوعى الفلسطينيين وفوق البحر على مرأى منهم .
مجمل القول أن الفلسطينيين في غيتو قطاع غزة انتفضوا، فتصدى لهم الإسرائيليون ودول الغرب الرأسمالي ـ الامبريالي صاحبة المشروع الاستعماري ـ الاستيطاني الأصلية، يريدون جميعاً إبادتهم أو ترحيلهم، كما حاولوا ذلك ضد الروس في أوكرانيا. لا شك في هذا السياق أنهم يعدون نفس الحساب لسكان الضفة الغربية وللمقاومين في لبنان .
مهما يكن، فإن هذا كله لا يعني أنهم سينجحون، فالتاريخ يعلمنا أن لكل ظالم نهاية، فمن أوقفهم وردهم في سورية يستطيع أن يوقفهم ويردهم في لبنان وفلسطين!