تتجلى الثقافة في نشر الكتب والمجلات والدوريات الثقافية .. المنشورات الثقافية، فكرية، أدبية، فنية... تؤرخ لتطور أفكار الشعوب، وإبداعها، ومستواها الحضاري... إلا الشعب الجزائري…
يبدو لي أن نظامنا السياسي هو الوحيد في العالم الذي لا يولي اهتماما للإنتاج الفكري والأدبي، أو هو يستبعده تماما من سياسته، ليس بجهل فقط وإنما بسوء نية واستبداد، رغم أن ميثاق حقوق الانسان ينص على عدم حرمان الشعوب من التعبير عن نفسها ورأيها وفكرها وحضارتها…
لا، لا أصدّق أولئك الذين يقولون أن الأنظمة العسكرية معادية للثقافة !.. كوريا الشمالية لها العديد من المجلات والدوريات الثقافية، روسيا والصين وكوبا من أكثر الدول إنتاجا وتشجيعا للثقافة…
كما لا أصدّق أن الدول الفقيرة تنقصها الإمكانيات المالية، فدول مثل تونس والمغرب وموريتانيا لها مجلات ودوريات وصحف أغنى فكريا من خزينة دولها…
حتى الدول التي تعاني من الحروب ومن آثارها، مثل العراق وسوريا واليمن، وفلسطين وأوكرانيا حاليا، لم تتوقف على نشر وتوزيع مجلاتها الثقافية... الحرب ليست سببا كافيا لحرمان الشعوب من حقها الانساني في انتاج واستهلاك الثقافة…
العداء المستتب بين النظام السياسي الجزائري ونخبته يعود في جزء كبير منه إلى سوء تفاهم، وسوء معاملة، واستبداد وتعصب في الرأي من طرف العصب الحاكمة، منذ ظهور آفة الإرهاب في بداية التسعينيات الى اليوم... ولعل جزء كبير من هذا العدوان على الثقافة يعود إلى غياب مساحات تعبير وتفكير وحوار وتبادل آراء، وتفاوض على القيمة المضافة للأمة…
وفي هذا لا يختلف النظام عن عتاة الإرهابين الذين يعتبرون كل تفكير - تكفير....!
طبعا، مثل هذا الانتاج الثقافي لا يخضع لسوق العرض والطلب، بل لدعم الدولة مثله مثل دعم المواد الاستهلاكية الضرورية، لأن الثقافة هي أيضا غذاء لتوازن الصحة العقلية للشعوب…
الشعوب غير المفكرة وغير القارئة تبقى مثل الحيوانات البرية، تحكمها غزيرة الأكل والتكاثر، ليس إلا... الحيوانات البرية منذ آلاف السنين لم تطوّر جحورها وغيرانها التي تسكنها، ولم تتعلم طهي الطعام ولا مذاق التوابل، ولم تتعلم فنون غرف النوم، ولا نظافة المراحيض، ولا حتى نسيج ما يستر عورتها.. الثقافة في نهاية الأمر هي ستر عورة الشعوب التي انتقلت من طور القرود إلى مرحلة الإنسان الراقي....
طبعا، لا أعرف إن كان بيننا من اكتشف سُلّم الارتقاء؟…
أنا لا أزال في مرحلة وحيد الخلية.....