حتى نضع حدا لمسألة التجريح في عدد من أعضاء الجلسة العامة القضائية والتي جعل منها البعض مسألة محورية وهامة ستؤثر لا ما حالة على مضمون الأحكام الصادرة عن الجلسة العامة، فإني ارتأيت أن أتقدّم بالتوضيح التالي:
تنص الفقرة الثانية من الفصل 249 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية على أنه "لا يقبل التجريح في الحاكم من الخصم الذي مع معرفته بسبب التجريح باشر الخصام أو حرر مقالة في النازلة لديه بدون القيام بالتجريح".
إنّ الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية تتكون من 10 رؤساء دوائر استئنافية و7 رؤساء دوائر تعقيبية و 2 رؤساء دوائر استشارية و7 مستشارين لدى التعقيب بالإضافة إلى الرئيس الأول للمحكمة الإدارية. ولقد طال التجريح الذي تقدمت به هيئة الانتخابات رئيسة دائرة استئنافية و2 رؤساء دوائر تعقيبية ورئيسة دائرة استشارية وذلك بعد أن قدمت تقارير في الرد في أصل النزاع الذي هي طرفا فيه وبعد الانتهاء من جلسات المرافعة مخالفة بذلك أحكام الفقرة الثانية من الفصل 249 سالف الذكر خاصة وأنها على علم مسبق بأسماء رؤساء الدوائر المعنيين بالتجريح ضرورة أنّه تم نشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عند تسمية الأعضاء المذكورين في خطة رئيس دائرة منذ سنوات مضت.
وبخصوص أصل التجريح، فقد سبق وأن أكدت عدم حضور اثنين من جملة الأربعة أعضاء المعنيين بالتجريح في أعمال الجلسة العامة القضائية ولم يشاركا في المفاوضة وهما رئيسة الدائرة الاسئنافية (شقيقة العضو الناشط في حزب عبير موسى) ورئيس الدائرة التعقيبية (سبق له أن ترأس ديوان وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري)، وبالتالي فإن التجريح طال في الحقيقة عضوين فقط. أمّا الأولى فبسبب وجود زوجها بالسجن من أجل تهمة التآمر على أمن الدولة المعروفة لدى العموم، وأما الثانية فبسبب عضويتها بجمعية القضاة التونسيين، وقد اعتبرت المحكمة أنّه علاوة على مخالفة مطلب التجريح للفقرة الثانية من الفصل 249 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية لوروده بعد الانتهاء من جلسات المرافعة، فإن الأسباب التي استندت إليها الهيئة ليست جدية بالمرة ولا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالنزاع الإنتخابي، إذ لا علاقة بين وجود زوج إحدى عضوات الجلسة العامة القضائية بالسجن من أجل اتهامه في قضية جزائية ونزاع الترشحات للانتخابات الرئاسية خاصة وأنه ليس معنيا بالترشح، كما أنّ الانتماء إلى جمعية القضاة التونسيين ليست تهمة تنال من حياد القاضي عند انتصابه للنظر في نزاع انتخابي خاصة وأن رئيس الجمعية المذكورة أو أحد أعضائها ليسوا من بين المترشحين للانتخابات الرئاسية.
لذا، ولكل الأسباب السابق شرحها قررت المحكمة رفض مطلب التجريح لعدم جديته.
وفي هذا الإطار، أريد التأكيد على أنّ المحكمة الإدارية لم ولن تكون يوما طرفا في أي نزاع مهما كان نوعه، فهي لا تنحاز إلاّ للحق والقانون، ذلك أنّ دورها التقليدي الذي أحدثت من أجله هو مراقبة مدى احترام الإدارة لمبدأ الشرعية القانونية ولا تتردّد في إلغاء كل القرارات الإدارية التي حادت عن المبدأ المذكور، كما هو الحال في النزاع الإنتخابي الأخير، لذلك أكّدتُ في السابق أنّ المحكمة الإدارية في مواجهة قانونية دائمة مع السلطة (وليس في مواجهة سياسية كما ذهب أليه البعض).
إنّ دور هيئة الانتخابات، بوصفها هيئة إدارية، هو تنظيم العملية الانتخابية ككل بدء من وضع النصوص الترتيبية اللازمة، مرورا إلى تحديد قائمات الناخبين والمترشحين، وانتهاء بالإعلان عن النتائج، إلاّ أنّ كل هذه العملية من بدايتها إلى نهايتها تبقى تحت رقابة المحكمة الإدارية (باستثناء النزاع المتعلق بقائمات الناخبين) التي أوكل إليها المشرع مهمة البت نهائيا في كل أنواع النزاعات الانتخابية، سواء كانت انتخابات محلية أو بلدية أو جهوية أو تشريعية أو رئاسية، نزاعات تكون فيها عادة هيئة الانتخابات جهة مدعى عليها بوصفها الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الذي تم الطعن فيه أمام قاضي الانتخابات.
كل هذا للتأكيد على أنّ القول الفصل في المادة الانتخابية كانت ولا زالت للمحكمة الإدارية التي تنظر نهائيا في قائمة المترشحين للانتخابات، مهما كان نوعها، وفي نتائج الانتخابات، مهما كان نوعها، وما على هيئة الانتخابات، بوصفها جهة مدعى عليها، إلاّ أن تنفذ ما انتهت إليه المحكمة بصورة باتة دون زيادة أو نقصان.