لازال المقص يفعل فعله، يُمنع فيلم هنا ويُمنع كتاب هناك وتتم مصادرة حرية الأشخاص تحت شعار "السلامة الفكرية" وفي كل مرة يثبت المانعون أنهم حمقى وأغبياء. فهم يثبتون أنّهم عجزوا عن دحض حجة مخالفيهم بقوة المنطق فالتجئوا للتحجير على أفكارهم وتكميم أصواتهم ويُثبتون أنّهم خارج روح العصر، لم يعوا بعد أنّ التحصين السلبي الذي يلجئون إليه لم يعد ممكنا ولم يعد فاعلا حيث انفتح كل شئ على كل شئ فما يُمنع هنا نجده هناك، ولم يفهموا أن الممنوع لم يعد فقط مرغوبا بل أصبح سهل المنال.
قلت في مقالة سابقة وصفها صديق بالمقالة الإبليسية، أني أغبط إبليس على الحرية التي نالها من رب العالمين، فقد طلب أن يقعُد للمؤمنين وأن يغويهم وأن يُمهل إلى يوم الدين فاستجاب الله لطلبه وكان بإمكانه وهو القادر أن ينهي وجوده أصلا ولكن الله أراد أن يبلغنا هذه الرسالة البليغة في تقديري: الفكرة مهما كانت خطيرة لا تُواجه إلا بالفكرة وأن الفكرة القوية بمضمونها لا تخشى أبدا المنازلة الفكرية وأن أهون الأساليب لمواجهة الأفكار هو الاستنجاد بالعضلات وكل أنواع القوة المادية والمعنوية.
حضرتْ عندي هذه الخواطر وأنا أتابع خبر الأمر الذي صدر عن وزارة التعليم السعودية والقاضي بمنع ثمانين مؤلف من المؤلفات التي اعتبرت مؤلفات مُتشدّدة. من بين الكتب المسحوبة «الله في العقيدة الإسلامية»، و«الوصايا العشر» لحسن البنا، وكتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، وكتاب «الإنسان بين المادية والإسلام»، و«شبهات حول الإسلام» و «دراسات إسلامية» لمحمد قطب، وكتاب «اشتراكيتهم وإسلامنا» لبشير العوف، وكتاب «الإيمان في حياة الإنسان» لحسن الترابي، وكتاب «الناس والحق» ليوسف القرضاوي، وكتاب «وحدة الفكر الإسلامي» لأنور الجندي، وكتاب «ثمانون عاما بحثا عن مخرج» لصلاح حسن، فضلا عن مجموعة كتب لأبي الأعلى المودودي من بينها «مبادئ الإسلام» و«أسس الاقتصاد» وغيرها. كما تضمنت قائمة الكتب المسحوبة عددا من مؤلفات أخرى، سواء للمؤلفين المذكورين أنفسهم أو لآخرين غيرهم. والموقف نفسه يكون منّي مع الذّين يمنعون الكتب الناقدة للدين كما تفعل ذلك مؤسسة الأزهر وغيرها من المؤسسات الإسلامية من حين لآخر.
متى نفهم أن الاستبداد ثقافة قبل أن يكون شيئا آخر؟ ومتى نفهم أن في فضاء الحرية يمكن أن نقوّم كل معوج وأن في فضاء المنع تنمو كل النتوءات؟ فلا منع عندي إلا لمن يمنع حرية الاختيار ويفرض بالقوة رأيه على الآخرين.