لنحدّد من أوَّل وهلةٍ المراد بالأيدولي وبالأيقوني. الأيدولي كل ما هو جامد ويستقطب في ذاته تبلور الفكرة وموتها؛ إنه كل صنم (علة صورية) أو وثن (علة مادية)، لا يحيل إلى شيء آخر إلا إلى ذاته، في محض تصلّبه؛ الأيقوني، هو كل ما يحيل إلى شيء آخر غير ذاته، يشير إلى أفق، يفتح باباً، يحفر منفذاً une percée.
الجزائر بحاجة لأن تغادر اللحظة الأيدولية التي سجنت نفسها فيها؛ لأن الوثنية والصنمية لا تليقان بمقامها الكبير بين الأمم؛ الوثنية والصنمية تعطّلانها من أداء مهامها الحضارية.
يُعبّر الجزائريون في مظاهرات حاشدة توقهم لمغادرة هذه اللحظة الأيدولية التي تسجن البلد في الجمود المعطّل للإرادات، نحو اللحظة الأيقونية التي تقول بأن هناك، في أفقٍ ما، في ملامح الآتي، مستقبلاً ينتظرهم. عليهم فك طوق أغلال الأيدولية التي تشدُّهم إلى الماضي والأبوية والوصاية. جزائر اليوم هي جزائر الشباب، ولا يجد الشباب اليوم صورة تعكس كينونتهم، ما هم عليه، في الفئة التي بيدها مقاليد الحكم.
على هذا الشباب أن يأخذ زمام نضجه بيده، عبر التكوين الذاتي والنظر الأيقوني لأفق بعيد. قيل أو يقال: أين هي النخبة من كل هذا؟ أين هو المثقف؟ موقفي من ذلك عكس كل ذلك؛ هو أن النخبة عليها أن تصمت، في زمن نشهد فيه انهيار المصداقيات السياسية والثقافية والدينية.
يمكن للمثقف أن يكون له موقف يعبّر عنه، لكن كمواطن فقط. ليس لقب المثقف تاجاً ملكياً على الرأس. انتظار موقف النخبة، معناه طلب المزيد من الوصاية. المطلوب هو التحرّر من النخبة. حتى كلمة "النخبة" فيها نوع من "دروينية" الاصطفاء والكبرياء بالتعالي على الإنسان العادي.
أعطتنا السترات الصفر les gilets jaunes في فرنسا درساً في ذلك: رفضت أي شخص يستغل بؤسها أو صوتها، فأبعدت الأحزاب والشخصيات السياسية والفكرية والثقافية وأبعدت النقابات؛ أي أنها أبعدت "حموضة الخل الذي يفسد حلاوة العسل"؛ والنخبة، من أيّ عتبة كانت، سياسية أم ثقافية أم دينية، هي "حموضة الخل المفسد" للأشياء الجميلة؛ المفسد لنضج العقل بذاته.
على النخبة أن تبتعد عن المشهد الذي يصنع التاريخ، وتكتفي بأن تتعلّم. إنه اليوم الذي تصبح فيه النخبة هي التلميذ، والإرادة العامة هي الأستاذ. ما عدا النخبة، هناك المجتمع المدني والجمعيات الثقافية، هي أقرب إلى فهم اللحظة الأيقونية المراد فتقها.