واما بعد… عادة ما نستعمل اما بعد بعد الانتهاء من واما قبل. وبالرغم من اننا شبعنا حديثا عن اما قبل فإنني على يقين من اننا لم ننفذ التراب ولا السحب عن ماضينا. فماذا لو توقفنا على اما قبل .
لا يمكن ان نبني المستقبل الا بالتصالح مع الماضي. اما بعد لا يمكن ان يكون معقولا الا بالنظر الى الماضي . اقصد من الماضي كيف كانت أحوال التونسي قبل الثورة. والحقيقة ان الماضي المقصود هو ذاك التاريخ البعيد. ان بناء شخصية التونسي محكومة بماضيه البعيد. ما زال الكثير يجر اذيال الماضي كمن يجر وراءه اكفان الموتى ناسيا ان يدفنهم.
اعتقد اننا كشعب لم ندرك بعد ولم يرتقي وعيينا بالماضي الى درجة التحرر من شظاياه وجراحاته. اعتقد بل انني على يقين من اننا لم نفصل القول في ماضينا بعد والذي ان لم نتخلص من سيئاته وسوءاته فانه من الصعب ان نبني غدا. عفوا اقصد بالماضي البعيد منه والقريب واقصد بالماضي كل مكونات ثقافتنا وعاداتنا.
ان الشعوب التي لم تصلح من ماضيها بالوقوف بجدية وشجاعة على همومه وجراحاته وسلوكيات غير حضارية فإنها تعجز عن البناء. فكيف كان حال التونسي قبل الثورة…
فالتونسي كان قبل الثورة رقما وشيئا . ذاك الخائف التابع والساكن والمستسلم والخانع والمكتفي بجرعة من الحرية. طبعا باستثناء الاحرار والخارجين عن القانون قانون قف عن هذا الحد.
كان كل شيء بيد السلطان ولم تكن هناك إمكانية التحرر منه الا بالتخفي وعدم الجهر. كان الفرد التونسي يخاف من ظله لان ظله كان يتبعه القواد وكان تحت الحراسة المشددة. التونسي قبل الثورة ومنذ زمن بعيد مع اعترافنا لآبائنا واجدادنا الشجاعة لكسر قيود الحرية لم يكن حرا كاملا.
كان ممنوعا من التعبير الحر. كان عبدا لعادات وتقاليد كرست مبدا العبودية والخنوع. ان نظرة الى الامثال اشعبية كافية لكشف حقيقة من نحن .
بعد هذه الاطلالة على ما قبل الثورة باقتضاب لا بد من غرس الامل لصناعة الغد. وهنا اعود لاما بعد. نعم اما بعد يتوقف على العمل والعمل والعمل بجد وإصرار. اما بعد يتوقف على الايمان بقدرتنا كمواطنين على بناء تونس دون تبعية ولا تكنبين خاصة
أيها التونسي كف عن التكنبين وعن التنبير وعن الترهدين . أيها التونسي يكفي من البكاء والتشكي والنواح والصياح. لا تنتظر من احد ان يبني بلادنا. انت وحدك المسؤول.
اما بعد … فسوف يكون لنا حديثا جديدا