ذكرتُ في مقال سابق أن المحاولة التّطبيعيّة الخسيسة التي أتاها مدير بيت الرّواية كمال الرّياحي، سيكون لها مابعدها....وستتلوها رجّات ارتداديّة مُكمّلة...وها أنّ كرة الثّلج قد انطلقت في التّدحرج والتّكوّر والتّضخّم....ولأنّ مدير بيت الرّواية "شكّل" محيطا من المريدين، تربطهم به علاقات نفعيّة إخوانيّة بحتة، فيها البُعد الأدبيّ، وفيها ما هو أبعد من البُعد الأدبي....
هذه العلاقات الإنتهازيّة ليست وليدة الفترة التي تولّى فيها إدارة بيت الرّواية، بل تمتدّ لما قبلها بكثير، للعهد الذي كان يُشرف فيه على إدارة دار الثّقافة ابن رشيق....حين أحاط "حزامه" بلفيف من المريدات والمريدين، يتبعونه أينما حلّ....
طبعا، من حقّ السّائل أن يتساءل عن علاقة "العلاقات والصّداقات" بمسألة التّطبيع، وأن يتّهمني شخصيّا بالتّحامل على الرّجل وبالخروج عن دائرة الموضوعيّة....بينما للمسألة صلة متينة بما سبق، يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي.....
إنّ الإنتهازيّين، ذوي المصالح والمنافع الخاصّة، يعرف بعضهم بعضا، وأغلبهم ينتشرون في مفاصل وعُقد المشهد الأدبيّ، ويُدوّرونه فيما بينهم، في دائرة تكاد تكون احتكاريّة.....تمتدّ من معرض الكتاب إلى مدينة الثّقافة إلى بيت الرّواية إلى جائزة كومار....وتتفرّع خيوط نسيجها العنكبوتيّ إلى خارج حدود البلاد....حتّى تصل إلى كواليس جائزة البوكر وما جاورها…
ولأنّ المجال لا يسمح، الآن وهنا تحديدا، بتفكيك وتشريح خفايا منظومة المشهد الأدبيّ التونسي برمتّه، وتسليط الضّوء على ماهيّة العلاقة التي تحكمه....فأنّني سأكتفي بالتّعريج على شّلة الحزام المتهافت، تلك التي تهرول اصطفافا، في لحظات المدد، تُرابط وراء أسوار الحامية، ناصرة مُستنصرة، موقّعة لعرائض المساندة والتّضامن والتآزر، دون فرز أو تدقيق أو تمحيص ودون قناعات....مُصابة بعمى الألوان.....
والحقيقة عكس ذلك تماما....إنّها ترى وتبصر وتميّز جيّدا بين الألوان.....ولكن عمى القلوب وموت الضّمائر وانتفاء المرجعيّة الأخلاقيّة والفقر المدقع لمنسوب الوازع الوطني....والوصوليّة والانتهازية....والقابليّة الفطريّة للرّشوة والإرتشاء......يجعل الخيانة في قاموس هؤلاء وجهة نظر...فتراهم يلفّون سردياتهم المسمومة في قفّازات من حرير، ويعرضونها في المنابر للتّبرير.....يُخادعون بها النّاس وما يخدعون إلاّ أنفسهم......
التّطبيع خيانة وليست وجهة نظر........نقاط متتالية دون عودة إلى السّطر.....