معدة برامج في التلفزيون تعترض على تكليفها بإعداد برنامج تلفزيوني جديد وأن تسلم النص خلال فترة زمنية قصيرة، بقولها 'هل أنا كمبيوتر أم أن عقلي غوغل، فقط اضغط عليه تتدفق المعلومات منه فورا؟'.
لم يمر على ابتكار الكمبيوتر الشخصي أكثر من خمس وثلاثين سنة.. ففي الثاني عشر من أغسطس سنة 1981 قدمت شركة “IBM” للعالم أول كمبيوتر شخصي مكون من شاشة شبيهة بشاشة التلفزيون ولوحة مفاتيح تشبه لوحة مفاتيح الآلة الكاتبة! ولم تكن الشركة حسبت أن هذا الابتكار سيغير التاريخ بعد سنوات قليلة.
لقد كان الكمبيوتر موجودا قبل ذلك بسنوات عديدة، ولكنه كان كبيرا، ضخما ومعقدا يقتصر استعماله على مؤسسات محدودة، وعندما جمعت تلك الشركة عددا من علمائها في يوليو عام 1980 في مختبر للأبحاث بولاية كاليفورنيا، طلبت منهم صناعة كمبيوتر صغير يمكن أن يوضع على طاولة المكتب ويقوم بمهام الآلة الكاتبة والحاسبة، ويمكن أن يكون حافظا للمعلومات المكتبية ومخزنا للوثائق والمراجع وأن تستخدمه الشركات والبنوك سجلا لحساباتها المالية.
وبعد حوالي سنة من العمل السري خرجوا في 12 أغسطس عام 1981 بأول كمبيوتر شخصي بسيط إذا قارناه بما وصلت إليه صناعة الكمبيوتر في أيامنا هذه، لينتشر في العالم بسرعة مذهلة ويحتل مكانه في كل مكتب ودائرة ومؤسسة عامة أو خاصة ويصبح الأداة الأهم والأساس في كل ما يقوم به الناس اليوم. وصار استعمال الكمبيوتر هو المعيار في التقدم والرقي ومواكبة العصر في كل بقاع الدنيا وفي كافة المجالات، ويكون تعطله بسبب علة هندسية أو فايروس خبيث، بمثابة كارثة على المستويين الشخصي والعام، حيث صار تعطل الكمبيوتر يؤدي حتما إلى تعطل المصالح وتوقف الأعمال.
قبل أيام كنت أراجع مكتب الجوازات لتجديد الجوازات، وعادة لا تستغرق الإجراءات أكثر من نصف ساعة، ولكنني هذه المرة انتظرت أكثر من ساعة دون أن يجري أي شيء، ولم يكن ذلك بسبب تقصير من موظفي الجوازات الذين كانوا يخففون عن المراجعين محنة الانتظار، بأن انتظارهم لن يطول إن شاء الله!
العلة كانت في الكمبيوتر الذي توقف عن العمل بسبب اضطراب ذاكرته أو تداخلات طارئة في عقله الإلكتروني.
كان ذلك الموقف فرصة للحوار مع المراجعين ومنتسبي مكتب الجوازات حول دور الكمبيوتر في الحياة العامة في عصرنا هذا وطرحوا التساؤل الذي أصبح شائعا في العالم: هل يمكننا الآن أن نتصور الحياة العملية بشتى نواحيها من دون كمبيوتر وأن تسير الأعمال على ما يرام؟
والجواب عن ذلك سهل وبديهي، وهو أن هيمنة الكمبيوتر على شتى الأنشطة الإنسانية في عصرنا الحاضر لا جدال فيها، ولا شك في تزايد دوره باستمرار. فقد أصبح الكمبيوتر ليس مجرد وسيلة للتدوين وخزن المعلومات والرجوع إليها، بل هو الوسيلة الوحيدة الآن للاتصالات وإدارة الأعمال وتوجيه الأمور وقيادة العمليات العلمية والعسكرية والاقتصادية والتخابر والتجسس والنشر بشتى أنواعه والعبث واللعب والبيع والشراء ووو.
والكمبيوتر بتنوعه من حيث الحجم والذي صار حتى جزءا من بنية الهاتف المحلول بما أضيف إليه من برامج ووسائل بحثية، هو المصدر الأول للمعلومات والمعارف وكأنك تنقل معك مؤسسة معرفة ومعارف بلا حدود إلى أي مكان في العالم شريطة أن تتوفر لك إمكانية الارتباط بالإنترنت والذي يضع العالم بين يديك عبر الخرائط والصور والرسوم والأفلام والمراجع، وأن يتابعك أينما تكون ويحدد موقعك وموقع غيرك، وأن يدلك على الطرق وكيف تصل، وأن تحجز على الطائرات وتختار فنادقك ووو.
قدرات الكمبيوتر وخداماته بواسطة الإنترنت لبني البشر أصبحت من بديهيات عصرنا هذا، وأثرت جذريا على وسائل العمل والتفكير والسلوك الفردي والاجتماعي، كما أثرت على جميع لغات العالم بإدخال مفردات ومصطلحات جديدة، بل حتى صياغات في قواعد اللغات واستعمال الرموز والمختصرات الموحدة عالميا.
وقبل أيام سمعت معدة برامج في التلفزيون تعترض على تكليفها بإعداد برنامج تلفزيوني جديد وأن تسلم النص خلال فترة زمنية قصيرة، بقولها "هل أنا كمبيوتر أم أن عقلي غوغل، فقط اضغط عليه تتدفق المعلومات منه فورا؟". على
وهذا وصف دقيق لعلاقة الناس بالكمبيوتر واعتمادهم عليه، ولكن الرغم من كل براعات الكمبيوتر، إلا أنه يظل يعاني نقصا كبيرا وهو بحاجة أيضا إلى عقل إنسان كي يشتغل ويفعل أفعاله.