تفاهات

Photo

ما أكثر التافهين اليوم. يطلون عليك من كل مكان. يدخلون إلى بيتك عنوة ولا تستطيع أن تطردهم. وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية وفرت لهؤلاء فرصة للظهور، فما علينا نحن المقموعين سوى التعامل مع الوضع بحنكة. أغلب الظن ستكون مقاطعتهم، القرار الأنسب.

للأسف إن معظم القصص في حياتنا تحدث إما من أشخاص تافهين وإما لأسباب تافهة. الأمثلة كثيرة، فأن تعود إلى البيت وتستقبلك زوجتك أو والدتك بالقول “ها جيت؟” (هل عدت)، دليل على تفاهة السؤال. حوادث السير التي يذهب ضحيتها الآلاف من البشر غالبا ما يكون سببها تصرف أخرق من شخص تافه. أتعس تفاهة يمكن أن تطلق على من لم يحالفهم الحظ في حياتهم كالفقراء، فهم متفهون من السلطة. هناك تفاهة راقية تصدر من المثقفين وأصحاب السلطة والمال وحتى الصحافيين.

أحيانا لا يمكنك التجادل مع التافه، بل تلتزم الصمت وتستمع لكل الهراء الذي يقوله، وخاصة إذا ما كان هذا الشخص مسلطا عليك. الفيلسوف الكندي ألان دونو ألف كتابا عنوانه “نظام التفاهة”. الكتاب طار حول العالم محمولا بأفكار تبحث عن الأسباب التي جعلت التافهين يمسكون بمواقع القرار. كلمات معبرة قيلت في الكتاب تستحق أن يقال أكثر منها عن العرب.

الفيلسوف مقتنع بأن التافهين حسموا المعركة من دون اجتياح الباستيل، في إشارة إلى الثورة الفرنسية، ولا حريق الرايخشتاغ، في إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا النازية. ربح التافهون الحرب وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه. هكذا ببساطة شديدة.

يعطي ابن الكيبك نصيحة لأناس هذا الزمان فيقول إنه لا حاجة للكتب المعقدة. لا تكن فخورا ولا روحانيا فهذا يظهرك متكبرا. لا تقدّم أي فكرة مثيرة لأنك ستكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرات ثاقبة، فقط فكر بميوعة وكن قابلا للتعليب فلقد تغير العصر، فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة.

للمؤلف سببان في مقاربته. الأول يعزوه إلى تطور مفهوم العمل في المجتمعات. فالمهنة صارت وظيفة. صار شاغلها يتعامل معها كوسيلة للبقاء لا غير. يمكن أن تعمل ساعات على وضع قطعة في سيارة في المصنع وأنت لا تجيد إصلاح عطل بسيط في سيارتك. يمكن أن تنتج غذاء لا يمكنك شراؤه أو أن تبيع كتبا وصحفا وأنت لا تقرأ منها سطرا واحدا. العمل بات مجرد أنماط مختلفة، فقط للحصول على مقابل.

السبب الثاني مرتبط بعالم السياسة والشأن العام. هنا بدأت سيطرة التافهين. يقول إن جذور حكم التفاهة العصرية ولدت مع مارغريت تاتشر، فمعها جاء التكنوقراط إلى الحكم. استبدلوا السياسة بمفهوم الحوكمة والمواطن بمفهوم الشريك. في النهاية بات الشأن العام تقنية إدارية لا منظومة قيم ومثل ومبادئ. صار السياسي في صورة سخيفة فهو يخدم مصالح لوبي نافذ في السلطة. قس على ذلك مشاهير الإعلام.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات