أيقتل البرد؟

Photo

أسدل الليل ستاره، و بات الجوّ باردا جدّا يوحي بنزول المطر وموجة من البرد كسائر أيّام . الشّتاء في ربوع الشّمال الغربيّ، يبدو أنّ البرد في هذا اليوم أقسى، و يزداد عويل الذّئاب في الغابة المجاورة عويل تقشعرّ له الأجسام.

فجأة شقّت صيحة عالية غمام السّماء، فمزّقت الظّلمة، و كأنّها البرق في يوم شتاء حالك. صوت من يا ترى؟ صيحة من هذه؟…

خرج كلّ من في المنزل يستفسر الأمر، و ازداد العويل و البكاء، لم يعد يهمّني البرد و لا الصّقيع... يا هول ما رأيت فتاة بعمر الزّهور بلحاف أبيض ممدّدة على أرضيّة كوخ بال. إنّها صابرة و بجانبها أمّها تبكي، فتبكي معها القلوب. لم أفهم ما تقول غير أنّي سمعت أمّي تردّد: " صابرة... صابرة ماتت من البرد. ماتت بعمر الزّهور".

عدت أدراجي إلى المنزل، و أنا شارد الذّهن تتزاحم الأصوات عليه من هنا و هناك.... عويل و بكاء و نواح، لم أعد أميّز بين صوت الرّياح و عويل الأمّ الملتاعة .

عدت و أنا لا أدري ما يؤلمني؟ هل أصدّق ما سمعت؟ أيقتل البرد الأطفال؟ ألم تكن خرافة، حكاية البرد الّذي يقتل الأطفال، تقال لنا حتى لا نقبع خارج البيت شتاء؟ ألم تكن خرافة رأيناها مع قصّة بائعة الكبريت، و بكينا إثرها لأنّ البطلة ماتت من بعد أن أشعلت كلّ عيدان الثّقاب.إلهي... كم كانت تبكيني هذه النّهاية، و كنت دائما أقنع نفسي بأنّها ليست حقيقة حتّى لا أبكي مجدّدا، لكن اليوم لم تعد تبكيني مرّة أخرى لأنّني عايشت أبشع النّهايات في الواقع.

...صوت صابرة، أختي و أختك يا من تعيش الدّفء شتاء و البرد صيفا، صابرة ماتت من الفقر، يا من تأتي لتأخذ صورة تذكارية للثلج و لتصوّر الجبال و أشجار الصّنوبر.

فــقف - يا أخي- و قــل: "رحمها اللّه، ماتت من البرد. ماتت من الثّلج".

قــف - يا أخي- و قــل :" لا … بل ماتت من الفقر، ماتت من القهر يا أهل بلادي"

اليوم تمضي أسابيع على الحادثة، و الجوّ لا يزال ممطرا و باردا، مثلجا، و حزينا. ومع مروري قرب كوخها أودّ أن أشعل أكداس الحطب المتناثرة هنا و هناك لـعلّ الجوّ يصبح أكثر دفئا فـأقي أمثال صابرة من شدّة البرد ومن الموت.


محمد حيدر النهدي: تلميذ السابعة أساسي (إعداديّة بوعرقوب)

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات