حنين إلى منبع الصفاء

Photo

شارفت السّنة الدّراسيّة على الانتهاء كسائر السّنوات، بمدرستي، ولم يعد يفصلنا عن المرحلة الجديدة سوى بعض الأيّام، و نطوي صفحة من عمرنا، نبتدئ بأخرى.

خليط من الفرح و الحزن يجتمع داخلي، مزيج من الإنتظار و الخوف. لا أصدّق أنّ هذه المدرسة لن تجمعنا مجدّدا، و لن نسمع صخب أصدقائنا و زملائنا.

لا أصدّق أنّ ستّ سنوات مرّت بهذه السّرعة… ذكرياتنا في كلّ مكان، أوقاتنا الحلوة و المرّة أيضا، خصوماتنا.. ضحكاتنا.. فرحنا بالنّتائج، و حزننا لغياب البعض منّا. في كلّ مكان اجتمعنا لنتقاسم أحلام طفولتنا، في كلّ مكان كنّا نرى بمجسات قلوبنا،معلّمينا،و ننتشي عندما تخترق انعكاسات أجسامهم المضاءة العدسة التي ما بين أهدابنا لتستقرّ في بآبئ أعيننا، وكيف كنا نحترس و نحرس سلوكاتنا الخارجة عن إطارها كي لا تنعكس صورها الحركيّة المقلوبة على شبكيّة الذي كاد أن يكون نبيّا، رأينا بأم الأفئدة الالمكنونة بالصفاء كيف تكون راحاتهم في أطوار الخدمة و الصناعة لبراعمنا، و كيف يكون تقاسم أطراف الحديث دون إغفال تثبيت جذورنا.

لا أصدّق أنّ ستّ سنوات مرّت بهذه السّرعة،ستّ سنوات مرّت على رنين جرس مدرستنا، و كيف يكرّر نفسه أكثر من مرّة، عندما يلحظنا لم ننصت له و لم نستقم منتصبين أمام هالته.

سنّة الحياة المدرسيّة، هي،أن ننتقل من قسم إلى آخر، و سنّة الحياة أن تنتهي مرحلة، لتبدأ الأخرى. كم جميل أن ينتقل معنا من رعينا زخم وهجهم و أحببناهم من مدرّسينا، لكن ما أقسى الأسف علينا فسُنّة الحركة و الإنتقال تفصلنا عنهم، ربّما العزاء أنّ دورهم و مجهودهم يكبر معنا و يرافقنا، و يتواصل مع الأصغر منّا، و رسالتهم لنا حول الحبّ و الثّقة و التّعايش و التّسامح ستبقى سلاحنا و زادنا مهما سافرنا و حلّقنا و ابتعدنا،

مرّت الأسابيع و الشّهور على وجودنا بمدرستنا الجديدة، إحساس من الخوف و الألم لم يغب عن طلائع أحلامنا، وبالرّغم من بعض الإعتياد على الفضاء و العلاقات مع المكان الذي بدأ ينمو و يترعرع، فإنّ الأمان و الصفاء ما زال يصبّحنا و يغدو إلينا عبر حبلنا السُّرّي الذي شكّلته مدرستنا.

مدرستي… ستبقى الذكرى جميلة، حيّة و مفعمة بالحيويّة داخلنا، و ستبقى الصورة الأوليّة، لمعلّمينا، نبراسا، تُهدينا السلام و التفوّق و المعالي و المحبّة الغالية للوطن، وتَهدينا سبلهم…

ستبقين، يا بوصلة آفاقنا، مسّاحة زجاج أفئدتنا من الغبار اللاصق بها جرّاء المشاريع العشوائيّة التي يدشّنها كلّ حين سادتنا و كبراؤنا و قادتنا على مستقبل آمالنا، و جنينا مكتمل الحسن و الصنع، لطيفا ساكنا لبّ رحمنا، و ألق جمالك التأسيسي مستقرّا و مستودعا فينا، حاضرا ومستقبلا، رغم الغياب بالإنتقال.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات