
الحراك الشعبي بتطاوين هذه الأيّام مربك،لأنّه تجنّب تدخّل الأحزاب و الجمعيّات و المنظّمات ،و اختار أن تكون بوصلته شعبيّة حرّة متحررّة من قواعد السياسة و اكراهاتها و ضغوطها،و هو ما يفتح له أسقفا نضاليّة تحررّية عالية،تخيف الطبقة السياسيّة الجبانة العاجزة عن تبنّي المهامّ الوطنيّة الحقيقيّة،و لعلّه الأمر الذي يفسّر المسارعة اليوم بعقد مجلس وزاري برئاسة الشّاهد مخصصّ لتطاوين...
لكنّه،و كالمتوقّع،مجلس صوري،مجلس زور و بهتان متجددّ،يواصل نفس منطق إطفاء الحرائق بأقلّ التكاليف،فلا إجراءات جذريّة ناجعة و لا إرادة لفتح ملفّ الصحراء و ثرواتها و نصيب الجهة منها.
و عليه ،فالمنتظر من الغاضبين ،مواصلة احتجاجاتهم و تصعيد حدّة الاحتقان.
الحراك أيضا دالّ،و من أهمّ دلالاته:
أوّلا وعي شباب تطاوين العالي و تحضّرهم و مدنيّتهم المبهرة،و قدرتهم على تأطير المسيرة الحاشدة دون أدنى انفلات،و بلا تعزيزات أمنيّة و بمحلاّت تجاريّة مفتوحة،هكذا شباب و شعب جدير بكلّ الرفاه و طيب العيش.
ثانيا،درجة التوحّد حول هذا الحراك من قبل جميع الأطياف و التّيّارات و الحساسيّات و المناطق و العروش،في مناخ ثقة ومحبّة و رجولة تذكّر بمزاج الأجداد و أخلاقياتهم ورجولتهم القيميّة الملهمة.
ثالثا،دلّ الحراك على وضوح المعركة في أذهان الشباب و استعدادهم للمضيّ فيها قدما اذا ما فرضت عليهم،فهم قد خلعوا أو كادوا جلابيب الأحزاب و وقفوا على عجزها عن خوض معركة السيادة على المقدرات البتروليّة و الثروات المنهوبة،فأنت لا تسمع منهم مطالبات سطحيّة بالتشغيل،و إنّما رفضا لاستمرار الوضع في الصحراء على ما هو عليه من الغموض.
رابعا،الحراك دالّ على ريح آتية من الشباب،قد تكون صرصرا على الطبقة السيّاسيّة بأكملها،فتزيحها و تخلق بديلها القادر على التوجّه رأسا إلى المهامّ الوطنيّة الحقيقيّة القادرة على تغيير هذا المشهد السياسي الرّديء.