دولتنا ذات آل 3000سنة حضارة و60 سنة حداثة، حسب ما يتبجح المستفيدون والمتمعشون من نظام ما بعد"خروج" المستعمر، تشهد ظواهر طالما ارتبطت بعصر الجاهلية عند العرب والعصور الوسطي عند الأوروبيون.
فعندما يتم توريث الوظائف والمسؤوليات بدون المرور بمناظرات وامتحانات عادلة وشفافة تتاح فيها الفرصة للجميع من أبناء الشعب ، نعود بذلك إلى عصر الإقطاع وطبقة النبلاء في مقابل طبقة الأقنان. وعندما تشاهد قطاعا ما يوقف العمل ويعطل مصالح الناس نصرة "لزميل" مذنب او مخالف للقانون؛ فنحن هنا في عصر الجاهلية ومبدأها الشهير (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما).
تتعمق المأساة حينما يصبح استغلال الوظيفة مهما كانت قيمتها أمرا عاديا، ولا ضير من ذلك ، وما المشكل، من ثوابت هذا الشعب الوفي لسامي الفهري وبرامج الربح السهل والسريع. وخبر دليل على ذلك ما حدث مؤخرا في مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس من عمليات ختان لأبناء النقابيين "بالطبال والزكرة " وسط المستشفى وما ينجر عن ذلك من ازعاج للمرضى المقيمين ، لهم الله.
ومن المضحكات المبكيات ان الطهار"الذي يقوم بعملية الختان" طهار عربي وداخل مستشفى جامعي. الا يدل هذا على حداثة الدولة وتجذرها في الحضارة؟ أليس الطهار أكثر خبرة وحنكة من دكاترة المستشفى. (في عقر دارهم).؟
لاتتقتصر هذه التصرفات على قطاع فقط. اتذكر مثلا ان حارس إحدى المدارس الإعدادية بمدينة القيروان ، وفي عهد بن علي (يتشدق البعض بحفاظ الدولة على هيبتها خلال عهده المشؤوم ) عمد إلى إشعال " مردومة" فحم في داخل أسوار المؤسسة. ومرت العملية بنجاح وسط لامبالاة المسؤولين وربماحماية القطاع والنقابة. فالعمال في كل القطاعات يستغلون كل ما يتاح لهم في أماكن عملهم لأغراض شخصية .
وتورث خططهم عند التقاعد لأبنائهم. أما الدكاترة والصيادلة وغيرهم من المهن العليا، فلا يوجد أشكال لديهم اذا ارتقى ابناؤهم في البكالوريا بمعدلات ضعيفة. اوكرانيا، روسيا ، بلغاريا، رومانيا….الخ كفيلة بإسناد سائد الدكتوراة ، والعيادة او الصيدلية او مكتب المحاماة جاهز للتوريث. اما النابغة من أبناء الشعب المفقر فله الله.
لا تقل لي حضارة او حداثة. يجب علينا جميعا النظر إلى عوراتنا والاعتراف بالكذبة الكبرى التي طالما زرعها الإعلام المضلل في عقول البسطاء والمتعلمين على حد السواء. اكيد فينا أذكياء ومجتهدون، ولكن الفوز والبروز عادة ما يكون لل "مهف" و"المتحيل" و"الشبراش". ولكم في سمير الوافي خير مثال وهو الذي دلس شهادة الثانوية.
أفيقوا، لقد فاتتنا راوندا في الحضارة بقرون، ونسأل الله حسن العاقبة.