ثمة تحولات أو مداخلات عديدة في الصراع السوري، حصلت مؤخرا، لا بد أن تؤثر، على طرفيه المباشرين، أي النظام والمعارضة، وعلى المسارات المستقبلية لهذا الصراع الطويل والمضني والمدمر، كما على طرق حله ومآلاته. ويمكن تمثل أهم هذه التحولات والمداخلات في الآتي:
أولاً، دخول الولايات المتحدة على خط الصراع بطريقة مباشرة، مع وجود عديد من القواعد العسكرية لها، على مقربة من الحدود الشرقية والشمالية لسوريا (في جوار العراق وتركيا)، ومع توجيهها ضربات مباشرة لمطار الشعيرات ولقوات النظام وحلفائه في التنف، وهو وجود مرشح للازدياد على الأرجح.
ثانياً، محاولة تحجيم نفوذ إيران في سوريا، باعتبار أن إيران هي أحد أهم مشغّلات الصراع السوري والإبقاء على استمراريته، وهذا يتمثل بالحؤول دون مساعي إيران الحفاظ على المجال الممتد من طهران إلى لبنان، عبر سوريا والعراق، وكذلك حرمانها والميليشيات اللبنانية والعراقية التابعة لها، من إيجاد موطئ قدم في الجنوب السوري، لمنعها من اللعب بورقة الصراع مع إسرائيل والمتاجرة بها.
ثالثا، فرض منطقة آمنة، أو منخفضة التصعيد في الجنوب السوري، على الحدود مع الأردن وإسرائيل، ما يعني إخراج ثلاث محافظات سورية من دائرة الصراع (القنيطرة ودرعا والسويداء)، وهو الأمر الذي تجري محاولات تعميمه في مناطق أخرى، فضلا عن أن ذلك قد يعني تجميد الصراع بين النظام والمعارضة، ورسم مناطق نفوذهما، تمهيدا لإيجاد أجواء مناسبة لحل سياسي، ربما، أو إذا سارت الأمور على نحو مناسب.
تقديم الولايات المتحدة الدعم لـ“قوات سورية الديمقراطية”، التي يتألف جسمها الأساسي من “قوات حماية الشعب” الكردية، الموالية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وإعطائها دورا أساسيا في الحرب ضد داعش في محافظتي الرقة، وربما دير الزور لاحقاً.
ورغم أن ذلك يجري مع طمأنة الولايات المتحدة لتركيا، التي تتخوّف من طموحات هذا الحزب “القومية” أو الانقسامية برأيها، ومن علاقة هذا الحزب بحزب العمال التركي الذي تعتبره إرهابيا، إلا أن هذا الدعم يفيد باعتماد قوات عسكرية من طابع معيّن، ويترك الأمور مفتوحة على مصراعيها في المستقبل، بمعنى أنه لا يمكن أن يحصل كل ذلك من دون تأثيرات سياسية مستقبلية في سوريا.
رابعا، أفول تنظيم داعش في المشهد السوري والعراقي، وهذا تطور على غاية الأهمية، سيما أن هذا التنظيم كان يسيطر على مساحة واسعة من سوريا في الشرق خاصة، ولا بد أن ذلك سيشمل جبهة النصرة قريباً، أي بعد التخلص من داعش نهائياً.
ومعلوم أن هاتين الجماعتين الإرهابيتين، احتلتا مشهد الصراع السوري، علماً أن ذلك أضر بالثورة السورية، بحكم عداء هذه الجماعات لمقاصد الثورة السورية المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، وبحكم ممارساتها الاستبدادية والعنفية في المناطق التي كانت تخضع لسيطرتها.
خامساً، تخفيف حدة مشاركة روسيا في قتال السوريين، إذ لعب الطيران الروسي دورا كبيراً في حماية النظام، وفي البطش بالسوريين منذ تدخلها في سبتمبر 2015، وذلك مع ملاحظة تحولها من الصراع العسكري، إلى إيجاد مصالحات مع الجماعات العسكرية في عديد من المناطق، وبخاصة منذ فتحها مسار مفاوضات ميدانية في أستانة، وخاصة مع التطور الحاصل في التنسيق لإيجاد مناطق خفض توتر، أو خفض تصعيد، في سوريا، بالتعاون مع الولايات المتحدة.
سادسا، تحجيم نفوذ إيران وميليشياتها، وتراجع حدة التدخل العسكري الروسي في الصراع السوري، وإنهاء نفوذ داعش ولاحقا جبهة النصرة، وإيجاد مناطق أمنة، في أكثر من منطقة في سوريا، يمكن أن يفتح الباب واسعا نحو تهدئة الصراع في بعده العسكري، وفتح الباب أمام المداخلات الدولية والإقليمية التي يمكن أن تضع سوريا على سكة الحل السياسي.
هكذا ثمة تحولات كثيرة في مشهد الصراع السوري، لكن الاستثمار في هذه التحولات لمصلحة شعب سوريا، يتطلب توجهات حاسمة من الطرف الأميركي، كما يتطلب تأكيدا من روسيا على إيجاد مقاربة مختلفة للمسألة السورية، بدل وضع كل الأوراق في سلة النظام.
كما يتطلب ذلك تفاهمات أفضل وتنسيقا أعلى بين الولايات المتحدة وروسيا، وضمنها الحزم في تحجيم نفوذ إيران في سوريا والعراق، ووضع حد للمداخلات الخارجية التي تعبث بالوضع السوري وتشتغل على توظيفه لصالحها.
وفي كل ذلك يبقى أن المعارضة السورية معنية بمراجعة تجربتها، بصورة نقدية ومسؤولة، وإعادة بناء كياناتها وترشيد خطاباتها، والتأكيد على مقاصدها المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، فهذا ما يريده السوريون، وهذا ما يفهمه العالم.