في يوم ما احتفظ الناقد الفرنسي أنجيلو رينالدي بربطة عنقه احتراما لقواعد اللغة، واليوم بتنا نركل اللغة ونهشم روحها اليانعة بالرديء والوضيع من الكلمات في خطاب شائع على الأجهزة المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيونات!
ولأن اللغة كائن حي ينمو ويتطور، فهي تموت أيضا، لكنها في عالمنا المعاصر أصيبت بالخطل وأنزلت إلى درجة عدم الاحترام عندما شاعت لهجة عامية وسطحية عاجزة عن التعبير أو إيصال فكرة بسيطة.
لماذا صار العرب يكتبون مثلما يتحدثون، أليست وظيفة الكتابة السمو باللغة؟
فكرة تطور اللغة تقتل بفكرة شيوع عامية موغلة في التسطيح والضعف التعبيري، لا أحد يعرف تحديدا من دفعنا إلى هذه السطحية، أهو استسهال التخاطب، أم شيوع التراسل السريع.
ثمة سؤال مؤذ عن انتشار العامية بين من يكتبون! هذا أمر محيّر فمن يكتب يسمو باللغة، براعته تكمن في صنع علاقات جديدة بين الكلمات، فلم ينزل إلى العامي والسطحي منها تحديدا.
بالأمس وصلتني رسالة نصية من شاعر أصدر أكثر من عشرة كتب وهو صحافي أيضا مشهور يظهر أسبوعيا على شاشات التلفزيون، لم يكتب فيها كلمة عربية واحدة، كانت الرسالة عبارة عن كلمات باللهجة الدارجة، ألا يدفع هذا الأمر إلى الحيرة، عندما نتحدث عن شاعر وليس عن رجل لا يجيد الكتابة!
الاحترام سلوك مرتبط كليا في انتقاء الكلمات، أنت تظهر احترامك للآخر من خلال لغتك، بينما بات التلفزيون على الأغلب لا يقدم احترامه للمشاهدين، وشاعت لغة رثة في الخطاب برمته.
دعونا نتحدث عمن يطلق عليهم محاورون وإعلاميون ومقدمو برامج، وليس عن أناس من عامة المجتمع يظهرون بالصدفة على الشاشة. فأولئك ممن يفترض بهم أن يسموا بلغتهم باتوا يهبطون بلغة الخطاب الإعلامي إلى أرذله، هم يتحدثون أمام الملايين من المشاهدين بلهجة دارجة مليئة بالتهكم والشتائم، مفتقدة للترابط، خالية من الفكرة، يتحدثون بلهجة عامية واهنة، مفتقدة لاحترام أنفسهم! ومن يفتقد احترام نفسه، آخر ما يفكر فيه احترام اللغة، ولهذا استعنت بجملة أنجيلو رينالدي.
فمن يسمو باللغة إذن إن لم يكن هؤلاء الإعلاميون؟
اللغات تصاب بالوهن إن لم يكتشف المتحدثون بها الإبداع التعبيري الكامن فيها، ومشكلتنا اليوم في ما ينشر من محتوى مرئي ومكتوب في عالم التخاطب الرقمي، لقد هبط إلى عامية ضحلة، المخيف فيها أن من يمتهنون حرفة الكتابة صاروا يكتبون بها، يا… لخيبة اللغة بنا!