بمناسبة تعيينه يوم 12 جانفي 2018 رئيسا مديرا عاما لديوان العمران البشري ... هذه شهادتي للتاريخ عن بطولاته في مجال "التجويق التبهيمي"- (والعبارة لكمال الزغباني من كتابه حول البهيمقراطية زمن حكم بن علي) وعن نماذج من تجاوزاته عندما كان وزيرا للتربية( 2005-2008)
"... أواخر شهر جوان 2007 بإحدى النزل بالمهدية حيث دعيت بصفتي المهنية إلى حضور محاضرة لوزير التربية والتكوين ، عنوانها "التكوين والتشغيل في تونس". كانت القاعة الكبيرة غاصة بالحاضرين من خيرة الأساتذة الجامعيين والإطارات الوطنية لكل من وزارة التربية والتكوين والتعليم العالي والتكوين المهني، جيء بهم من كل حدب وصوب على متن تلك الحافلات الصغيرة المكتوب عليها عبارة "هدية من رئاسة الجمهورية...".
ترك السيد المحاضر الموضوع المعلن عنه جانبا واسترسل في التعبير عن إخلاصه وولائه المطلق لبن علي، قبل أن ينافسه في ذلك الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي آنذاك. الهادي مهني. أذكر مما قاله الأوّل:
"ينزل الجنين من بطن أمّه يبكي صارخا متألما، فيجد نفسه في هذه الأرض المباركة أرض الرئيس بن علي فيبتسم..."
منذ فتح باب النقاش، طلب الثاني من الحاضرين سبعة تدخلات، فهو كما قال يعشق الرقم 7"...ومما جاء في كلمته أن "بن علي لا يرقد النوم لأنه لا ينقطع عن التفكير في "الزوّالي"(وكنت سمعت له نفس هاتين العبارتين أو لنقل "القطعتين" من "سمفونية التجويق" في أواخر أفريل 1998 في اجتماع آخر بمركز التربية والتكوين المستمر بالمهدية، ولم أسمعها من غيره…)".
أضاف وزير التربية - في قطعة أخرى- أنه لا يناشد الرئيس بن علي الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 فقط، فذلك لا يكفي بل يلح عليه ويترجاه أن يترشح أيضا لسنة 2014 ثم 2019 وما بعدها وما بعدها….". كانت مجموعات من الشباب التجمعي تلبس أقمصة التجمع وتصيح في القاعة مرددة: " الله أحد، الله أحد، بن علي ما كيفو حد…" وكان الصّياح بهذا الشعار يتكرر كلما ذُكر اسم "بن علي" إلى درجة تمنع المتدخل من مواصلة حديثه.
قاطعهم أمين عام التجمع في إحدى المرات فظننت أنه سيريح الحاضرين من صياحهم فإذا به يثني عليهم ويشجعهم على المواصلة مُضيفا: "لو بقيت اذكر خصال بن علي واستعرضها لما تمكنت من حصرها ولو استرسلت في حديثي إلى الغد…."….
لكشف جزء من تجاوزات القربي، وإضافة إلى ما يرتبط بالكاباس، مما يسهل ضبطه تكفي المقارنة بين ما جاء بالصفحة (218) من كتاب الإحصاء المدرسي للسنة الدراسية 2006/2007 في خانة عدد الأستاذة المعاونين صنف أ -وهو 3727 مدرسا ومدرسة- وما ورد بالصفحة (234) من كتاب الإحصاء المدرسي للسنة الدراسية 2007 /2008 حول الفئة نفسها من المدرسين -وهو 4421- لنحصل على ما لا يقل عن 694 مدرسا ومدرسة انتدبتهم وزارة التربية خارج مناظرة "الكاباس" في سنة واحدة(دون اعتبار عدد الأساتذة المعاونين ص أ الذين تم إدماجهم وصاروا في رتبة أساتذة تعليم ثانوي) .
أما في التعليم الابتدائي فيذكر أحد متفقديه أن "المناظرات التي أنجزت مرارا لانتداب1000 من المعلّمين الجدد، لا ينجح فيها إلاّ 600 ويستكمل العدد الباقي بالمحسوبية والرشوة" (مذكور بدراسة للصديق حسن الجمني 2011 منشورة بالنت.)
مثال آخر حول تجاوزات الوزير نفسه، وكيف لي أن أنساها وقد أثرت أيما تأثير على واقع السلك المهني الذي انتمي إليه، هو ما حدث يوم 4 فيفري 2006 بقاعة الاجتماعات بوزارة التربية: لأول مرة منذ إحداث سلك المستشارين، تم اجتماع رسمي مع الوزير، انتظره مستشارو الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي قرابة العشر سنوات. اعتبرنا هذا الاجتماع فرصة لمصارحة الوزير بجانب من الواقع المدرسي ونقل جزء من التساؤلات والحيرة المتداولة في المؤسسة التعليمية وخارجها حول التجديدات المتعثرة التي كانت أطلقتها الوزارة.
طالب المتدخلون في الحوار مع الوزير بإجابات واضحة عن تلك التساؤلات- التي يطرحها عليهم عادة التلاميذ والمدرسون والأولياء. وطالبوا أيضا بإخراجهم من حالة التهميش التي يعيشونها منذ 10سنوات، وتمكينهم من استثمار وتوظيف ما تلقوه من تكوين في علوم التربية ومن المشاركة في ما تعده الوزارة من برامج وإصلاحات وخطط عمل. غضب الوزير واستاء من ذلك كثيرا واعتبره "خطاب معارضين للنظام" .
استغرب الوزير وجود عديد الحاضرين من غير التجمعيين بل من بعض زعماء اليسار والقوميين وبقيت العلاقة متوترة إلى حين خروجه من الوزارة في أوت 2008. اتخذ عديد القرارت "الانتقامية" مثل طلبه من المديرين تعويضنا في أدائنا لمهمة الإعلام، قراره إنهاء تربصات التكوين بالخارج وحرمان مستشاري الإعلام والتوجيه من المشاركة في مجالس التوجيه المدرسي بالمعاهد (منع ذلك في منشور التوجيه المدرسي لسنة 2006) منع مساهمتنا في إنجاز برامج التكوين المستمر على المستويين الجهوي والوطني.
عطل عملية تكوين الدفعة السابعة المباشرة للتكوين بالمعهد العالي للتربية والتكوين المستمر آنذاك: التحقت هذه الدفعة بالعمل في سبتمبر 2009 وكانت المناظرة قد أجريت في نوفمبر 2005 أي بتأخير بلغ قرابة السنتين نتيجة محاولته إرجاع المتكونين إلى التدريس،( وما يعنيه ذلك بقاء 30 أستاذ على ذمة التكوين المستمر وتقاضيهم لرواتبهم دون أي عمل ودون أي تكوين).
يضاف إلى ذلك منعه تكوين دفعات جديدة كانت مبرمجة وأعلنت عنها بعض الصحف الوطنية، بل حاول -دون جدوى- إلغاء وجود السلك نفسه ( طلب ذلك من معاونيه) لكن عجز عن ذلك لوجود نظام أساسي للسلك صدر في 5 جويلية 1993 أي في عهد الوزير محمد الشرفي.