إلى متى يتواصل استعلاء " النخبة التونسية" على مجتمعها

Photo

"عندما يدرك الناس أن الدولة تدار لحساب نخبة وليس لحساب أمة؛ يصبح الفرد غير قادر على التضحية من أجل الوطن وينصرف للبحث عن مصلحته الخاصة" عبد الوهاب المسيري

أولا: في التمييز بين التصور الكلاسيكي لمفهوم النخبة والتصور الجديد لها .

تركز الرؤية الكلاسكية للنخبة على "فاعلية النخبة، تميزها ذكاءها، مواهبها" وهي "توازي الصورة التي تريد أن تقدمها النخب عن نفسها" ويجعلها تقع في النرجسية وما يسمى "بالتمجيد الذاتي" فيمنحون لأنفسهم صفات مثل: نخبة النخب، السراة، الزعماء والمناضلين والرواد والطلائعيين والخاصة وخاصة الخاصة…،

غير أن تطور العلوم الإجتماعية، واستنادا إلى الرؤى الفلسفية الإرتيابية،أعاد النظر في هذا الخطاب وكشف محدوديته وكونه يغطي على جانب سلطوي يتحكم في سيرورة أي نخبة سواء أكانت سياسية أو نقابية أو دينية أو ثقافية او غيرها. على عكس التصور الكلاسيكي للنخبة الذي يعتبر بأنه تصور "رسولي" "طهراني" (يتعامل معهم كرسل أو ملائكة) يراهم التصور الجديد " كائنات عادية" لها حاجات وطموحات ومصالح. تكمن أهمية التصور الجديد في سعيه إلى الكشف عما وراء الخطاب والسلوك، عن التمويهات والتضليلات التي تقوم بها النخبة لإخفاء مصالحها. [1]

ثانيا: في الحاجة إلى ضمان احترام الحريات الفردية والمساواة وتثمين ما تحقق منها في تونس

لا شك أن احترام الحريات الفردية والمساواة حاجة أساسية من الحاجات الفردية والمجتمعية أما ضمانها في النصوص القانونية فهو ضرورة وأداة رئيسية في مواجهة لامعقولات الاعراف والتقاليد الموروثة عبر التاريخ والتي لا تتماشى مع روح العصر ومقتضياته

- لا شك أيضا أن أسلوب الاصلاح من فوق و"التحديث القسري" الذي تبنته تونس بعد الاستقلال، قد كان له دور حاسم في التحولات الاجتماعية الكبرى التي عرفتها بلادنا وأننا لا زلنا اليوم نحتاج إلى المضي قدما في مسيرة التطور والسبق التاريخي العريق (دستور قرطاج، الصداق القيرواني، إلغاء الرق 1846، مجلة الاحوال الشخصية 1956، دستور 2014 …)

ثالثا: تساؤلات

- هل يوجد لدينا اليوم من يتمتع بمواصفات بورقيبة وجماعته، وإن توفر ذلك جدلا، هل يمكن إعادة التجربة البورقيبية نفسها بنفس الاسلوب وبنفس الادوات في سياقات حضارية وسوسيولوجية مختلفة وطنيا ودوليا؟

- هل يوجد لدى النخبة التي تريد مواصلة الانفراد بقيادة المجتمع، اطلاع كاف على البراديغمات الجديدة والنظريات السوسيولوجية التي بدأت تنسف المقاربات الكلاسيكية للحداثة ومفاهيمها ؟

- ألا يجدر أن نستثمر ارتفاع منسوب الحرية الذي نتمتع به اليوم في إجراء بحوث علمية ودراسات ميدانية حول المجتمع التونسي الراهن ودراسات مقارنة عن القضايا نفسها ببلدان أخرى وأن تستند النصوص القانونية التي نصدرها إلى تلك الدراسات؟

- هل يكفي الانطلاق من رؤية فلسفية نظرية مثالية أفرزت نتائج إيجابية في مجتمعات أخرى ثم نسقطها على مجتمع به قطاعات واسعة منه ترفضها ، ألا يجدر ان نتريث قليلا ونصبر ونصابر ونثابر ونقوم بحملات المناصرة وكسب التأييد للقضايا التي ندافع عنها في إطار الحوار الحضاري المتكافئ والسلم الاجتماعي وتبادل احترام حق الاختلاف والتسامح وغيرها من المبادئ التي تقوم عليها منظومة حقوق الانسان الكونية؟ أليس "الاعلان العالمي لحقوق الانسان" كما قال عنه ريني كاسان أحد المشاركين في صياغته سنة 1948"برنامج عمل للمستقبل" وكذلك الشأن بالنسبة لدستور 2014 وكذلك عديد النصوص والاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق؟

- ألا نحتاج إلى تحريك الطلب الاجتماعي على تلك النصوص التي صادقت عليها تونس وعلى النصوص القانونية التي ستنبثق عن دستور 2014 حتى تصبح حاجة مجتمعية متأكدة يعبر عنها أصحاب الحقوق أنفسهم ويطالبون بها بأنفسهم دون حاجة إلى وكيل أو وسيط (مفهوم "التمكين) ؟

- كيف سيستبطن الناس "مقاصد الاسلام" و"القيم الكونية" و"روح القانون" " إذا واصلنا اعتماد نفس أسلوب الاصلاح من فوق ألا يزيد هذا في تعميق الفجوة بين الواقع والمنشود؟

- ألا تقوم "النظرية العامة لحقوق الانسان على أن حرية الفرد هي اساس كل منظومة حقوق الانسان وأن الانسان ينفرد بعقلانية تجعله يختار أفعاله مما يسمح بمسؤوليته عنها" (ص23 من التقرير). ماذا فعلنا لنجعل الانسان التونسي قادرا على اكتساب العقلانية والقدرة على الاختيار؟ أليس في مواصلة التعامل معه على أنه قاصر وعاجز على الاختيار، تكريس للقصور والعجز لديه؟

- أليس في ممارسة أسلوب الاستعلاء واعتبار الناس جهلة وعاجزين على الاختيار والاستفتاء في أمور يعتبرونها "خطيرة" و"مقدسة" و"مصيرية" ، إثارة لخوفهم من التجديد وتحريك شعورهم و“لاشعورهم“ وبالتالي تقوية دفاعاتهم وهجوماتهم و"جهالاتهم" التي تم نعتهم بها. (العنف نابع في جوهره من الخوف" كما قالت حنا أرندت).

- ألا يجدر التركيز على تحريك الطلب الاجتماعي على ما نؤمن به عوض أن "نتمادى في العمل وفق مبدإ "تحقيق سعادة الناس رغم أنوفهم (Le bonheur des gens malgré eux)

- لماذا لا نؤسس لحوار فكري عميق يُخرجنا من الصراعات الايديولوجية ومن التوظيف السياسي للقضايا العادلة ويقطع الطريق أمام الانتهازيين وخاصة منهم تجار الاعلام وتجار الدين وتجار الحداثة وكل من يسعى إلى تغذية الاختلافات والاستقطابات؟

- ألا نحتاج إلى تغيير طريقة تعامل الدولة مع المجتمع؟ إلى تغيير رؤية النخبة لنفسها ولدورها في المجتمع؟

- لمذا يصر البعض من النخبة على الاستثمار في الخلافات وتهييج الصراعات وتعطيل قدرة البلاد على مواجهة التحديات المتزايدة، ألا يمثل ذلك جزءا من "التمويهات والتضليلات التي تقوم بها النخبة لإخفاء مصالحها".


[1] المصدر: الباحث المغربي محمد سبيلا في مداخلة بعنوان "النخب وأسئلة الحداثة والتغيير" ويمكن الاطلاع على جزء منها على موقع اليوتوب للمركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية بالعنوان التالي: https://www.youtube.com/watch?v=0w-ON8JssWU

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات