حين ”يُناوئ“ الإسلام المساواة في الفصل الأوّل من الدستور!

Photo

لا أدعي أنّني قرأت تقرير لجنة الحريّات العامّة والمساواة بما يقتضي من تأنٍّ، لكن هذه الفقرة شدّتني منذ القراءة الأولى ( ص 132 )، وقد جاء فيها:

أكّد الدستور على ضمان المساواة في أكثر من موضع [...]:

الفصل الأول القاضي بأن "تونس دولة [...] الإسلام دينها [...]" قد جاء فقط بتحديد أحد عناصر الانتماء الحضاري للدولة باعتبار أنّ الإسلام هو دين معظم التونسيين. لكن ليس في هذا الفصل ما يُخضع سلطة الدولة لأمر من فوقها، وليس فيه ما يقيّد مشيئتها في سنّ القوانين بغير إرادتها، وهو معنى الإعلان الوارد بنفس الفصل من أن تونس دولة "ذات سيادة". بذلك فان الفصل الأول من الدستور لا يحمل ولا يمكن تحميله موقفا معاديا لمبدأ المساواة، ولا يمكن البتة تفسيره أو تأويله على أن فيه مناوأة للتمييز أو ما قد يشلّ سعي الدولة ويغلّ إرادتها لإقرار المساواة في الحقوق بين الجميع.

ولنا بعض التعليقات على هذا الكلام، نوجزه في نقاط:

1 – النقطة الأولى لغويّة: جاء في الفقرة أنّ الفصل الأوّل "لا يمكن البتة تفسيره أو تأويله على أن فيه مناوأة للتمييز"، والمناوأة لغة هي المعاداة (لسان العرب، ج 1، ص 174، مادة نوأ)، وهو ما يجعل العبارة مساوية لعبارة "لا يمكن البتة تفسيره أو تأويله على أن فيه معاداة للتمييز"، وهذا بحكم طبيعة التقرير ومقاصده عكس ما يريد إثباته، إذ أراد القول إنّ الفصل الأوّل يعادي التمييز، فقال إنّه لا يناوئه أي لا يعاديه ! (هل تسمعني يا أستاذ الشرفي وأنت الضليع في اللغة؟)…

2 – النقطة الثانية: جاء في الفقرة: "الفصل الأول القاضي بأن "تونس دولة [...] الإسلام دينها [...]" قد جاء فقط بتحديد أحد عناصر الانتماء الحضاري للدولة باعتبار أنّ الإسلام هو دين معظم التونسيين". وهذا لعمري تعسّف على الفصل حين يجعله يقول إنّ الإسلام مجرّد أحد عناصر الانتماء الحضاري للدولة. فما هي بقيّة العناصر التي سكت عنها الفصل؟ وهل دين الدولة يقتضي أن يكون هو نفسه دين مواطنيها؟ يبدو أنّ الأمر كذلك إذ يُضيف النص: "باعتبار الإسلام دين معظم التونسيين"، فإذا كان الإسلام هو دين الدولة بهذا الاعتبار، أليس في هذا تسوية بين الدولة والتونسيّين، ما دام دين الدولة هو الإسلام لأنّه دين معظم التونسيين؟ وبالتالي هل الأقليّة ممّن يدينون بغير الإسلام خارج الدولة؟ وبأيّ معنى؟ <

3 – النقطة الثالثة: ما مناط الاستدلال بالفصل الأول من الدستور في سياق الاستدلال على ضمانه المساواة؟ هل يتضمّن هذا الفصل إشارة من بعيد أو من قريب إلى المساواة؟ يبدو أنّ الفهم قاصر عن إدراك السبب، فلنلجأ إلى التأويل: هذا الفقرة يُفسّر بعضها بعضاً، فالإشارة إلى أنّ "تونس دولة... الإسلام دينها" لا يمكن أن تعني في هذا السياق إلاّ ربط مسألة المساواة بالدين (دين الدولة في حالتنا، أي الإسلام)،

وما دام " الفصل الأول من الدستور لا يحمل ولا يمكن تحميله موقفا معاديا لمبدأ المساواة"، فإنّ هذا معناه أنّه لا يمكن حمل دين الدولة على أنّه معادٍ للمساواة، وهذا جيّد، لكن ورود عبارة "ليس في هذا الفصل ما يُخضع سلطة الدولة لأمر من فوقها" يقتضي الفهم بأنّ المقصود عدم خضوع الدولة لما يُمكن أن يقتضيه الإسلام من عدم مساواة، فما من أمر يمكن أن يكون فوق الدولة إلاّ دينها حسب مقتضى الفقرة ذاتها ! وهذا في رأيي مناط الربط بين دين الدولة في هذا الفصل ومسألة المساواة التي لا يقتضي الفصل الحديث عنها !

ودعنا من مسألة من يرى من بين أعضاء اللجنة نفسها أنّ الدولة كيان معنوي لا دين له، فلهذا مجاله الذي يقتضي الإشارة مبدئيّاً إلى دوافع اللجنة ذاتها في تبنّي هذا التلفيق المفاهيمي بين الإسلام (بوصفه حضارة فحسب) والدولة (بوصفها صاحبة السيادة المطلقة رغماً عن سيادة القول الإلهي كما يعتقده معظم التونسيين، وهُم الدولة ذاتها في منطوق اللجنة) وإرادة الدولة (التي ليس في الفصل الأوّل ما يقيّد مشيئتها في سنّ القوانين بغير إرادتها، وكأنّ إرادتها ليست هي إرادة معظم التونسيين الذين هم مسلمون حسب منطوق الفقرة نفسها، وبالتالي فإنّ إرادتها فوق إرادة أغلب مواطنيها، وبالتالي فوق ما يقتضيه الإسلام نفسه، حتّى وإن كان دين الأغلبيّة، بل ودين الدولة ذاتها)…

وعلى كلّ، سنكون لنا عودة إلى هذا التقرير وخاصّة مقترحاته بأكثر تفصيل…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات