أنا مقتنع تماما بأن الرياضة هي مرآة لأي مجتمع .. هي مقياس حقيقي لنفسية الشعوب والدول …عام ألفين وتسعة، انهزمت تونس في مباراة حاسمة للترشح للمونديال ضد الموزمبيق. هاتفني العزيز فيصل الزواري لأشاركه اللوعة فصدم من قولي "إن بن علي انتهى" وظن فيصل أن أمرا ما حصل فعلا في تونس .. فقلت "سينهار خلال عامين مثلما انتهى بورقيبة بعد عامين من خسارتنا ذهابا وإيابا سبعة أهداف لهدف ضد الجزائر عام 1985" ..
دخلنا دائما حالة من الإنكار .. تونس ترشحت لمونديال روسيا منذ القرعة التي وضعتنا في مجموعة سهلة .. اتضح لاحقا أننا بصدد جيل قد يكون الأضعف على الإطلاق في تاريخ الكرة التونسية، خاصة أن الحظ قد حالفنا ضد جمهورية الكونغو الديمقراطية، في تونس كما في كينشاسا ..
دعك من تصنيف الفيفا لشهر أفريل الذي وضعنا في المرتبة 14 أو حتى تصنيف ماي الذي وضعنا في المرتبة 21 .. الأساس هو هل أنت تشعر، في خلوتك تلك، بأن الفريق مقنع ؟ حتما إجابتك ستكون بـ"لا" ! الأمل مشروع وشرعي لكن ليس على حساب عوامل ومعطيات موضوعية ملموسة جاثمة أمامك ..
حتى حين يكون الإنجاز مستحقا يسقط كثيرون في حالة من الإنكار .. قزّم كثيرون المرتبة الرابعة في مونديال تونس لكرة اليد عام 2005 بتعلة أن منتخبي الدانمارك وروسيا يمرّان بفترة انتقالية من جيل إلى آخر، مع أنّ البلدين الآنف ذكرهما يتنفسان كرة يد .. حينها، تعالت أصوات تستهجن بقاء مدرب المنتخب، حسن أفنديتش، في ألمانيا في مرحلة ما قبل المونديال .. لم يردّ الرجل .. لكنّه قال في الكواليس ما لا يريد كثيرون التسليم به: "الدوري التونسي لكرة اليد ضعيف للغاية. وكرة اليد تتغير بشكل متسارع. أفضل البقاء مع عائلتي في ألمانيا ومتابعة الدوي الألماني، وهو الأقوى في العالم، حتى لا تتجاوزني التطويرات التكتيكية على أن أتابع الدوري التونسي الهزيل" ..
لم تصمت تلك الأصوات إلا ببلوغ تونس المرتبة الرابعة عالميا ..
ما يحصل في الرياضة، يحصل أيضا في السياسة .. حصلت ثورة في تونس ! لكنّ القريب قبل البعيد انقضّ عليها ليحتويها أو حتّي لينسفها .. تواصل الحكومات المتعاقبة مذاك المضي قدما في حالة الإنكار، خاصة حين تخرج إلى العالم، فتعدّد محاسن الثورة وتحصي الإصلاحات التشريعية وتقدّم إرادتها السياسية المزعومة للبناء واللحاق بركب الأمم كبضاعة للتسويق والتجميل لا أكثر ..
لكنّها على أرض الواقع تتراجع أمام أوّل اختبار وتنهار أمام أوّل وضعية يفترض أن تتخذ فيها قرارا حاسما ..
حالة الإنكار هي عدوّ لدود لكلّ من يتطلّع للنجاح .. أخطأ العرب كثيرا لكنهم لم يخطئوا حين قالوا: "عاش من عرف قدره" !