في البلدان الديمقراطية يُبث الحديث الصحفي الذي يخاطب فيه الرؤساء ُ الشعبَ بثا مباشرا وهو أمر مختلف عمّا يقوله هؤلاء الرؤساء في خطب مناسباتية. ولو بُث الحوار مع قائد السبسي بثا مباشرا ما كنا نقع في هذا الغموض وفي هذا التشكيك.
وتلك مسؤولية المؤسسة الإعلامية تسبقها مسؤولية الصحفي. هل سأل المحاوران نفسيهما عن أسباب التسجيل؟ هل سألا عن وطأة ذلك على المضمون النهائي للحوار؟ هل كانا متأكدين أن الحوار سيُبث مسجلا على حاله؟
وإن كانت تلك قناعتهما فلماذا التسجيل أصلا؟ هل افترضا أن ليس في القصر مقص؟ هل اتفق الباثون بمن فيهم المتخلفون عن البث على تركيب مشترك؟ وهل ذلك ممكن أصلا؟ وهل من يصدق أن ذلك ممكن يفهم طبيعة المهنة ومقتضيات الخط التحريري الذي يميز مؤسسة عن أخرى؟ وإذا بادر الباجي طالبا من نسمة أن تجري حوارا معه كما قالت فلماذا تقبل المؤسسات الأخرى مبدأ البث؟ هل بطلب من نسمة أم من القصر أم بسعي منها؟...أسئلة كثيرة أخرى يمكن سياقها هنا للتدليل على التخبط...التخبط في كل أمر.
يوم 12 مارس 1933 قرر الرئيس الأمريكي روزفيلت أن يخاطب الشعب الأمريكي مباشرة عبر الراديو لقطع الطريق أمام الصحافة المكتوبة التي كانت موالية للجمهوريين. وبالنظر إلى نجاح تلك المبادرة قرر عام 1945، في آخر عام من حكمه، أن يصبح حديثه المباشر الإذاعي أسبوعيا بعد أن كان غير منتظم.
وإلى اليوم لم يتخلّ أي رئيس أمريكي عن ذلك الحديث، Fireside chats، كل يوم سبت.
ما حاربه روزفيلت قبل 85 عاما أنتجناه نحن البارحة. لتمكين بعض المؤسسات من إحكام قبضتها على رقاب العباد سجلنا حديث الرئيس. أعتقد أنه امتحان للمهنة كاملة إن لم تنجح فيه سيكون الخسران على الشعب كاملا: النجاح هو الحصول على النسخة الأصلية من الحديث ومحاسبة "المصنصرين" ثم أن تعمل المؤسسات الإعلامية والصحفيون على ألاّ يتكرر ذلك أبدا. إن مرت مهزلة البارحة وكأنّ شيئا لم يكن فأقيموا على الإعلام مأتما وعويلا.
يرى البعض أنه طالما قَبِل رئيس الجمهورية أن يُبث الحوار كما بُث البارحة فلا مشكل في الأمر. رأي هو الآتي:
1-لا أحد أثبت لنا أن الرئيس راض عن ذلك.
2-لسنا ندري إن كان الرئيس قارن بين التسجيل الأصلي والنسخة التي بُثت البارحة.
3-حتى إن افترضنا أن الرئيس قارن بينهما لا شيء يثبت أنه انتبه إلى الفارق بين النسختين.
4-الرئيس ليس رئيس تحرير ليقرر كيف يكون التركيب.
5-لم نسمع أبدا في تاريخ الإعلام عن ممارسة تجعل من المتحدث، قائد السبسي هنا، الآمر الناهي في طبيعة المضمون. إن كان ذلك مقبولا فما على الصحفيين إلاّ أن يصاحبوا ضيوفهم أمام حاسوب التركيب ليطلبوا منهم ماذا يريدون حذفه وما الذي يريدون الإبقاء عليه وإبرازه في ما قالوه.
6-العمل بتلك الطريقة هي دعاية نسميها خجلا اتصالا Communication.
7-ما يبث على الهواء هو مسؤولية الصحفي وحده في ضوء خط تحريري معلوم.