الجزء الاول :امرأتنا بين سلفيتين متغولتين ومشروع مسقط

Photo

يوم الأحد 13 أوت 2017 بمناسبة عيد المرأة الواحد والستين ألقى الرئيس الباجي قائد السبسي خطابا أعلن فيه عن إحداث لجنة ستتولى إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة استنادا إلى مقتضيات دستور 27 جانفي 2014 وكذلك المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ستنظر هذه اللجنة في إيجاد الصيغ الملائمة التي لا تتعارض مع الدين ومقاصده ولا مع الدستور ومبادئه في اتجاه المساواة الكاملة بين المرأة والرجل فضلا عن زواج المرأة التونسية المسلمة بغير المسلم.

وستكون مهمة اللجنة النظر في المصوّغات التي تحسم في مسألتين: المساواة في الإرث وزواج التونسية المسلمة بغير المسلم. ولم يكن احد يعلم بخلفية المقترح وحتى الذين يعلمون لم ينتبهوا ولم ينبّهوا إلى مصدره .

جاء التقرير متجاوزا المهمة التي أنيطت بعهدة اللجنة ليطرح رؤية بديلة انطلاقا من العلاقات الزوجية وقضايا الإرث والإعدام وزواج المسلمة بغير المسلم وصولا إلى حرية الجسد والمثلية، وبدا أنه حمّالة أوجه، يترنّح بين اليمين والشمال .وهذا ما أحدث إرباكا لدى الأوساط الفكرية والسياسية بل والشعبية .وبدأت التساؤلات تتتالي. ترى هل المشروع ثوري حداثي أتى لتحقيق انتظارات المرأة بعد الثورة التي كانت من صناعها؟ أم هو مشروع سلفي يعطل تطور المرأة ،بقطع النظري عن نوعية السلفية التي تتراوح بين السلفية التي تزعم التدين والدين منها براء، والسلفية التي تدعي الحداثة والحداثة منها براء؟

هل من علاقة بين مضامين التقرير وأدبيات السلفيتين؟

في هذه المقاربة سأحاول بلورة خلفية السلفيتين وعلاقة كل منهما بالتقرير بعيدا عن الأحكام الجاهزة مثل التكفير والتخوين والتجريم وتوجيه كل الأحكام الجاهزة للآخر.وهي ـــ ككل المقاربات ــ ليست بمعزل عن إمكانية الخطأ والصواب.

I ـــ بناء الإنسان الغائب الحاضر مع النظام الاستبدادي


أولا ـــ سور الصين : هل حمى الصين؟

سور الصين من أهم عجائب العالم السبع يعود تاريخه إلى القرن الرابع قبل الميلاد بناه الصينيون حماية لوطنهم من الغزاة البربر، ذهب ضحية هذا البناء مئات الآلاف من الموتى والجرحى.غير أن عظمة هذا البناء لم تحْم الصين ، فقد تمكّن الأعداء من اختراق الأبواب عبرالحراس الذين لم يكونوا متحصنين بالوازع الوطني، فالدولة بنت السور لكنها لم تبن الإنسان.


ثانيا ـــ أية منزلة للمواطن بعد الاستقلال؟

تلك هي حكاية نظام التأسيس مع بورقيبة ونظام التحول مع ابن علي، فقد بني كل منهما نظامه على مقولة أساسية << العملقة والتقزيم >> عملقة الزعيم وتقزيم الشعب بكل مكوناته ، فظهر مجتمع الدولة الذي يصوغه النظام فيختزل الأمة في الشعب ويختزل الشعب في الحزب ويختزل الحزب في الزعيم، فيتماهي السلطان في الدولة، وتتجسد مقولة لويس الرابع عشر الدولة "هي أنا" . والفرق بين العهد الأول والثاني هو فرق بالدرجة وليس بالنوع، فالاستبداد في الأول كان أعنف ، سالت فيه الدماء بغزارة، لكنه كان أقل فسادا، فالإحساس الوطني ما زال فياضا ، وعلى عكسه كان العهد الثاني ،فقد استشرى فيه الفساد واستعاض عن القتل بالتعذيب والتدمير الممنهج للمعارضين بكل انتماءاتهم .

توخى النظام في كل منهما مع المواطنين ــ وبالتحديد مع الشباب ـــ سياسة التهميش الممنهج لإبعاده عن السياسة والذي تجسّد خاصة في مصادرة الإرادة وكبت الحريات بكل أشكالها ، وإبعاد الكفاءات والاستناد للولاءات فتشكلت منظومة الاستبداد والفساد، وجاءت العولمة ليتقلص دور الدولة ويتنمر الأعراف ويتدنى المستوى المعيشي للشعب وتستفحل ظاهرة البطالة وتنتشر قيم المجتمع الاستهلاكي الذي يُطمع ولا يُطعم، فأصيب الشباب بالإحباط وتملكه اليأس فمـال إلى الهروب، فصار يهرب نحو إفرازات العولمة: الجريمة المنظمة ، المخدرات، الهجرة السرية ، الانتحار ، الإرهاب بل حتى نحو معابد الشيطان.

نعم لم يكن حيز 55 سنة فراغا فقد تمكن النظام من أن يقيم بعض الإنجازات المادية، لكنها دون انتظارات الشعب التونسي وتضحياته، وكثيرا ما كانت على حسابه، غير أن الفشل الذريع كان على مستوى بناء الانسان. فالشعب كان أقرب للرعية ولم يدرك معنى المواطنة. وأخطر كارثة حصلت في تونس هي زرع هاجس الخوف من السلطة وعليها، فمنها يهرب المواطن إلى إليها يلتجئ . والخوف سبب البلايا فمنه يتولد الكذب والنفاق والخداع .

طوال العهدين كاد التصحّر الفكري أن يسود لولا بعض الصراعات الإيديولوجية الجامعية لكنها لم تملأ الفراغ الذي عاشته مختلف شرائح الشباب التي ازداد بؤسها وتضاعفت نقمتها على النظام فاشتعلت نيران الثورة لينقلب هرم السلطة فينتصب في وضعه الطبيعي بداية من القاعدة وصولا للقمة ، ولتنهض دولة المجتمع ــ دولة المؤسسات ـ لكن المعضلات الاجتماعية والاقتصادية ازدادت عمقا.فكيف ساعد هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي على تغول السلفيتين ؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات